طلاء بالذكاء الاصطناعي يبرد المباني حتى 36 درجة ويقلل الاعتماد على التكييف

نجح فريق بحثي دولي في تطوير طلاء ذكي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، قادر على خفض درجات حرارة المباني بما يصل إلى 36 درجة فهرنهايت، مما يعزز الآمال في تقليل الاعتماد على أجهزة التكييف التقليدية التي تستهلك كميات ضخمة من الطاقة وتساهم في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

هذا الابتكار لا يقتصر على كونه طلاءً عاكساً للحرارة، بل يمثل نتيجة لاستخدام خوارزميات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، حيث اعتمد الباحثون بقيادة جامعة تكساس في أوستن على تصميم المواد الحرارية انطلاقاً من خصائصها المطلوبة، بدلاً من تعديلها عبر التجربة والخطأ.
وأوضح البروفيسور يويبينغ تشينغ، المشارك في المشروع، أن هذه المقاربة تتيح بناء تركيبات مثالية للمواد وفق النتائج المرجوة، وقد أدى ذلك إلى توليد أكثر من 1500 تركيبة من "المرسلات الحرارية الفائقة" بتركيبات ثلاثية الأبعاد معقدة، يصعب تحقيقها بالطرق التقليدية، بحسب ما نشره موقع Sustainability Times واطلعت عليه العربية Business.
نتائج بارزة تحت أشعة الشمس
اختبر الباحثون الطلاء الجديد على نماذج مبانٍ تعرضت لأشعة الشمس المباشرة لمدة 4 ساعات، فجاءت النتائج لافتة؛ إذ انخفضت درجات حرارة الأسطح المطلية بالتركيبة الذكية بمقدار يتراوح بين 10 و36 درجة فهرنهايت مقارنة بالدهانات البيضاء أو الرمادية التقليدية.
وأكد هان زو، أحد مؤلفي الدراسة، أن هذا الفارق الحراري كفيل بتقليل الاعتماد على المكيفات في المناطق الحارة.
كما أوضح الفريق أن طلاء سطح مبنى مكوّن من أربعة طوابق في مدن مثل بانكوك أو ريو دي جانيرو يمكن أن يوفر نحو 15,800 كيلوواط/ساعة سنوياً، وهو ما يعادل تشغيل أكثر من 10 آلاف مكيف منزلي لمدة عام كامل إذا طُلي 1000 مبنى بهذا الطلاء.
وتكمن فعالية هذه المواد في قدرتها على عكس أشعة الشمس والتخلص من الحرارة المتراكمة عبر إطلاقها في شكل موجات تحت حمراء ضمن نطاقات طيفية تُعرف بـ"نوافذ الغلاف الجوي"، حيث يقل امتصاص الغازات الدفيئة، مما يمنع ارتفاع حرارة الأسطح والغلاف الجوي.
تطبيقات متعددة تتخطى المباني
يمتد استخدام الطلاء الجديد إلى قطاعات أخرى مثل السيارات، الملابس، وحتى الأقمار الصناعية. إذ يمكن تطبيقه لتقليل الحرارة داخل المركبات المتوقفة تحت الشمس، وتصنيع أقمشة ذكية تساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم في البيئات الحارة، إضافة إلى دوره المحتمل في الفضاء لتنظيم حرارة المركبات الفضائية وحماية أجهزتها من التقلبات الحرارية القاسية.
كما أشار الباحث تشينغ-وي كيو إلى أن التقنية قد تسهم في مواجهة ظاهرة "الجزر الحرارية" داخل المدن.
من جانبه، أوضح الدكتور أليكس غانوز من كلية إمبريال في لندن أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تصميم المواد يشهد طفرة متسارعة، حيث تعمل شركات ناشئة على تطوير منصات مثل "MatterGen" التابعة لشركة مايكروسوفت لتصميم مواد صناعية معقدة تشمل بلورات للطاقة، سبائك للطيران، ومركبات طبية، وكلها يتم تصميمها افتراضياً قبل تنفيذها فعلياً.
ويُعتبر هذا النهج الرقمي تحولاً جذرياً في البحث العلمي، إذ تحل المحاكاة العميقة محل التجارب المطولة وتسرّع من وتيرة الابتكار. ورغم ذلك، يحذر الخبراء من أن النماذج النظرية، مهما بلغت دقتها، تحتاج دائماً إلى تحقق عملي لتفادي إنتاج مواد غير قابلة للتطبيق أو تحمل عيوباً خفية.