قطوف
الحلم الأول

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

الأمور كانت تجري في مسارها الطبيعي والعادي جداً، شخصية تتمتع بقدر عالٍ من القوة في التحكم بالنفس.
على مدار الحياة لم يستطع أحد الوصول لأبعد من ذلك،
إلى أن جاء يوم وليلة مختلفان عن مثيلاتهما.
كان الصباح عادياً هادئاً، مر اليوم الأخير في الحياة الطبيعية وجاء الليل بسكونه ولكنه لم يكن سكونا عادياً، بل كان سكونا ينتظر الحلم الأول الذي غيّر طبيعة
الشخصية والحياة المستمرة في أكثر من نهج، لتتوقف
عند هذه الليلة وهذا الحدث الذي ظننت في بادئ الأمر
أنه لن يترك آثاره بهذه الطريقة في كل نواحي الحياة.
كان الحلم الأول إيذاناً بتغير كل شيء.. تواترت الأحلام والرؤى في الجهتين، كانت كلها تدل على أن الحدث لم يكن عاديا وأن الزمن قد تغير وأن الحياة قد تبدلت وأن القلب لم يعد القفص الصدري قادرا على حمايته.
هنا وإلى الآن حاولت مراراً أن أضع اسماً لهذا الشعور فلم أجد، لا أستطيع تسميته بالحب أحياناً لأنني أرى أن هناك شيئا أكبر من الحب قد يكون هنالك إشارة ربانية، لأن الأحلام كلها ومعها بعض العلامات الغريبة
التي ظهرت على مدار أشهر كلها تتحرك باتجاه واحد، وتكمل بعضها البعض؛ لذا فإنني أستطيع أن أقول
إن هذا الأمر أكبر من أن أسميه حباً.
إنه سر من أسرار الإنسانية اهتدي إليه القلبان، وكأن شيئا وُضع في القلب لا أستطيع أن أنزعه ولا حتى أن أُقلل من مقداره بل إنه يزيد.
فك الارتباط صعب جدا، ليس بوسعي فعل ذلك. لأول مرة أشعر وأن شيئا ما يتحكم بي من بعيد، ليس لدي القدرة على مجابهة هذا الشعور وأنا الذي أفتخر بقوة الشخصية واتخاذ القرار وتنفيذه والتحكم بالنفس. لأول مرة أشعر بالمرض وألم بالرأس ليس صداعا وإنما ألم غريب لا أستطيع وصفه.
أشعر وكأني سقيم، ويبدأ على الوجه ظهور علامات التعب والشيخوخة، حتى البدن لا يكون في حالته الصحية العادية وكأني في السبعين، يبدأ الجسم بالانحناء قليلاً وألم بالصدر من شدته أضغط بقوة على الصدر حتى يخف الوجع قليلاً وياليته يخف.
كل هذا يحدث بمجرد انقطاع الكلام ليوم واحد فقط سواء كان بالخصام أو بالاتفاق أو لأن الظروف
غير مواتية.
لكن كل ذلك ينتهي بسماع كلمة واحدة من الطرف الآخر ..
ضحكه واحدة أو حتى همسة
كل الأوجاع تزول وكأن شيئاً لم يكن.
السحر لا يستطيع أن يفعل بي ما يفعله صوتها.
هنا لا أتكلم عن جمال الصوت فقط، بل عن الراحة بداخله، التمرد الذي يقوده القلب لا يمكن مجابهته حتى المقاومة تسقط في اللحظات الأولى، فلا القفص الصدري قادر على التحكم في القلب ولا تاج الرأس قادر على إقناع العقل، فالكل متفق أن الحياة لم تعد تصلح بدونها..
الزمن لا يتحرك إلا معها
الروح لا تسعد إلا بها
الدنيا لا تحلو إلا برفقتها.