هوامش
بينما تُنفق الدولة مليارات على تطوير شبكة الطرق، لا يزال الطريق الدائرى – أحد أهم الشرايين المرورية فى مصر – يعانى مشكلة قاتلة ألا وهى انعدام الإضاءة ليلًا. هذه الأزمة لا تقل خطورة عن تهالك الطريق نفسه أو الزحام المزمن، بل تتسبب فى كوارث حقيقية يعيشها المواطنون يوميًا فى صمت.
قادنى «حظ العثر» إلى تجربة شخصية لن أنساها، حين قررت القيادة ليلًا من مدينة 6 أكتوبر إلى ميدان لبنان مرورًا بالطريق الدائرى. من طريق الواحات حتى نزلة الهرم، وجدت نفسى فى ظلام دامس، لا ترى أمامك سوى أنوار السيارات، والكارثة أن بعضها يأتى بإضاءة بيضاء فسفورية صاعقة، تفقدك القدرة على التركيز والرؤية سواء تلك القادمة فى الاتجاه المضاد أو التى تسير خلفك.
ثم منطقة إضاءة باهتة تستمر من منطقة التطوير فى الهرم حتى تتجاوز ترعة المريوطية، حيث يعود الظلام مرة أخرى ليكون العدو الخفى لقائدى السيارات.
أشد ما واجهته كان فى المنطقة المعروفة بـ«كوبرى صفط اللبن»، حين ظننت أن الطريق أمامى مستقيم، وفجأة ظهر رصيف وسط الطريق لا تراه إلا فى اللحظة الأخيرة. قمت بالانحراف يسارًا بسرعة لإنقاذ نفسى من الاصطدام، ولولا عناية الله وابتعاد السيارات القادمة من الخلف قليلًا عنى، لكنت الآن إما فى المستشفى أو فى عداد الأموات.
الطريق الدائرى ليس طريقًا ثانويًا، بل هو الشريان الذى يربط القاهرة الكبرى بكاملها. ملايين السيارات تمر عليه يوميًا، ما بين نقل ثقيل، وميكروباصات، ومواطنين عاديين. انعدام الإضاءة يمثل تهديدًا مباشرًا لحياتهم، ويضاعف من نسب الحوادث بشكل مفزع.
نحن لا نتحدث عن رفاهية أو كماليات، بل عن ضرورة إنسانية وأمنية. غياب الإضاءة يعوق حركة الطوارئ، يصعّب على رجال الإسعاف والنجدة أداء مهامهم، ويحوّل القيادة ليلًا إلى مغامرة قد لا يعود منها البعض، ويشجع المجرمين على ارتكاب حوادث الخطف أو السرقة بالإكراه.
أكتب هذا المقال لأثبت حالة فربما يستجيب المسئولون وربما لا كالعادة، فقد اعتاد مسئولو حكومتنا الرشيدة فى هذه الفترة التى بدأت منذ سنوات عدم الاستجابة والتطنيش فلم تعد للكلمة قيمة ولم يعد أحد منهم يقرأ الصحف أو يستمع لرأى آخر.
عمومًا سأؤدى واجبى وأرسل نداء أو استغاثة إلى وزارة النقل، والشركات المسئولة عن تطوير الطريق الدائرى فأرواح المواطنين ليست محل مجازفة. نرجو إعادة تشغيل وصيانة أعمدة الإنارة على كامل الطريق، خاصة فى الوصلات غير المطورة حتى الآن. وإذا كانت هناك جهود تُبذل على الأرض، فإن غياب الإضاءة يمحو آثارها، ويجعل الطريق عنوانًا للخطر لا للتنمية. وأقول لكم قد نختلف على السياسات، لكننا نتفق جميعًا أن أرواح الناس أغلى من أن تضيع فى ظلام الطريق.