لعل وعسى
مع مطلع القرن العشرين كانت الصين تقف على حافه الانهيار، فمع الحرب العالمية الأولى احتلت اليابان إقليم شاندونج، وهذا حدث مع دول كثيرة غير الصين، ولكن الإختلاف أنه فى مؤتمر فرساى عام 1919 قررت القوى الكبرى منح الإقليم الصينى لليابان، هنا كانت لحظة التحول الفكرى العميق لدى شباب الصين الذين لم يتظاهروا من أجل إقليم شاندونج، ولكن من أجل خلع عباءة الغرب والتمرد على الأيديولوجية الغربية التى دمرت شباب الصين سواء من حيث الأفيون أو سحب الهوية الصينية. تزامن ذلك مع حدوث الثورة البلشفية فى روسيا لتمثل حلم راود هؤلاء الشباب لتحويل الفكرة إلى حقيقة وليكون عام 1921 عامًا فارقًا فى تاريخ الصين، حيث تأسس الحزب الشيوعى الصينى الذى شارك فيه الشاب ماوتسى تونج ولكن عام 1937 دخلت اليابان بقوة فى شمال الصين، وكانت تاينجيج مسرحًا لأبشع أنواع الاحتلال دموية، حيث قتل أكثر من 300 ألف صينى، ولكن المذهل فى الأمر هو توحد القوميين والشيوعيين بعد حرب أهلية طاحنة بينهما بفضل الاحتلال اليابانى البشع للصين وشكلوا معًا الجبهة الوطنية وقتل أكثر من 10 ملايين ونزوح أكثر 100 مليون للنزوح، وانهار الاقتصاد الصينى فعليًا، وهنا كان للتاريخ ولمصر الدور الأعظم فى خروج هذا التنين للانتقام من التاريخ، فمع الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد اليابان بعد أن تعرض ميناء بيرل هاربر الأمريكى للضرب من جانب اليابان، فبدأ الدعم الأمريكى يتدفق على الصين عبر طريق بورما، ولكن النقطة الفيصلية كانت فى مؤتمر القاهرة عام 1943 حيث اجتمع تشرشل، وروزفلت، وتشان كان شيك، ووعدوا بتحرير الصين من المستعمر اليابانى، وبالفعل تم إلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان عام 1945، وانسحبت اليابان من الصين، ولكن تبعه انهيار التحالف الهش بين الشيوعيين والقوميين، وتجددت الحرب الأهلية بينهما
ولكن كانت الغلبة للشيوعيين، وفى عام 1949 سقطت بكين فى يد الشيوعيين وأعلن ماو تسى تونج فى بكين مقولته التى سيحارب بها التاريخ «لقد نهض الشعب الصينى».
وكان التحول الأولى هو تحول الدولة لحزب واحد، ثم كان التحول الثانى عام 1958 عبر مشروع القفزة الكبرى للصين إلى الامام ولكن أهملت الزراعة فمات 30 مليون صينى، التحول الثالث عام 1966 بأكثر الحركات الريداكالية فى القرن العشرين وهى الثورة الثقافية وتطهير الحزب الشيوعى من خلال الشباب، فنشأ الحرس الأحمر، وانغلقت الصين على نفسها لمدة عقد من الزمان، واصطدمت مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما انفجرت الخلافات بين الصين والاتحاد السوفيتى، ورغم كل هذه التطورات فإننى ما زلت على قناعتى بأن مصر كانت تسبق الصين بخطوة فى كل هذه الأحداث، بل كانت مصر الأقرب والأجدر بأن تعيد صياغة التاريخ ولكن هذا ملف آخر له حساباته، وفى عام 1976 رحل ماو تسى تونج ليترك دولة الصين متماسكة ولكنها منهكة، وللصدفة التى لا يعترف بها كاتب التاريخ أن دول العالم الإسلامى تعرضت لصحوات كبيرة مثل إيران، والعراق، والجزائر ومصر وغيرها تعرض لصحوات إسلامية ولكن الصين تعرضت لصحوة اقتصادية قادها بينج سياو بينج الذى أعلن الانفتاح الاقتصادى والذى أعلنته مصر قبل أن يصل إلى الصين بأربع سنوات ولكن مع الاختلاف فنحن انتقلنا معه للانتقام من أنفسنا، أما الصين فانتقلت معه للانتقام من التاريخ. وللحديث بقية لقصة ما زالت تكتب.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام