حفنة كلام
على مقربة من قريتنا «العُوَيْضات» بمركز قفط بمحافظة قنا أخذَنا أبى عندما كنت صغيرا إلى الدِّفِّينة بقرية تقع فى الصحراء تسمى «بئر عنبر»، وأخذنا لكل واحد منا شالا كبيرا من الصوف ليلتف به، واستقبلنا أهل بئر عنبر وهم معروفون بالكرم والحفاوة بالضيف، وفى رمال معينة يعرفونها، فوق قمة جبل حَفَرَ كلٌّ منا حفرة عميقة بحجم جسده، كأنه القبر، وتمددنا فيها فى استرخاء، وأهالوا علينا الرمال، كان المنظر مخيفا لى إذ لم أبصر من أبى وإخوتى سوى وجوههم، بينما غطت الرمال أجسادنا، وبعد ساعتين تصببت أجسادنا عرقا فأخرجونا والتف كل منا بشاله، وعرفت أنها وسيلة استشفاء كبرى، وقد توقفت الآن، وربما أخذ المخرج خيرى بشارة هذا المشهد فى فيلم «الطوق والإسورة» الذى كتبه القاص العبقرى يحيى الطاهر عبدالله بتمثيل شيريهان، التى دفنوها حتى رأسها فى التراب؛ مع فارق الهدف حيث إن الناس أتت بئر عنبر للاستشفاء وكأنها «سَوْنَا»؛ بينما كان الهدف من دفن شريهان للاعتراف.
هل نجد من يطوّر أماكن السياحة العلاجية بالرمال أو بالعيون المائية الحارة أو بالبحار المالحة؟ فقد وجدتُ زوّارا فى عيون موسى بسيناء، وكذلك بشاطئ مدينة سفاجا قدموا للاستشفاء؛ من الممكن أن تكون هذه الأمكنة البرية أو المائية نواة لإقامة منتجع سكانى كبير حولها، فهل نعجز نحن عن إقامة قرى ومدن فى سيناء والبحر الأحمر ومطروح تخصص كمدن علاجية وستغدو ظهيرا للمشروعات الضخمة التى نأمل منها الكثير؛ وكم يساعد وجود الناس فى مقاومة الإرهاب، لأن الأرض الفضاء والصحارى الخلاء مرتع للإرهابيين ومخابئ آمنة لهم. ولماذا لا نسوّق هذه الأمكنة العلاجية لتصل إلى خارج مصر فالعالم يتوق لهذا النوع من المقاصد السياحية.
متى نعرف أن العالم يحتاج للعودة للطبيعة فى المأكل والمشرب والمشفى؟
مختتم الكلام
قال أبوالعلاء المعري:
«مَن كان يَطلبُ مِن أيّامِهِ عَجبًا
فلى ثمانونَ عامًا لا أرى عَجبا
الناسُ كالناسِ والأيامُ واحدةٌ
والدّهرُ كالدّهرِ والدنيا لمَن غَلَبا»