رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

لقد شهد الاقتصاد المصري خلال العقد الأخير سلسلة من الإجراءات التي عُرفت ببرامج "الإصلاح الاقتصادي"، إلا أن نتائجها على المستويين الكلي والجزئي كشفت عن فجوة كبيرة بين ما رُوِّج له وبين الواقع الفعلي. فقد اعتمدت هذه البرامج بشكل أساسي على أدوات السياسة النقدية (كتحرير سعر الصرف) والسياسة المالية (كالجباية الضريبية)، في حين جرى تجاهل ركيزة محورية أثبتت التجارب الدولية فعاليتها في إعادة توجيه الاقتصادات نحو النمو، وهي السياسة الجمركية. 
أولاً: مكامن الضعف البنيوي في الاقتصاد المصري 
1. اعتماد مفرط على الاستيراد: تتجاوز الواردات المصرية 90% من الاحتياجات الصناعية والاستهلاكية، وهو ما يجعل الاقتصاد هشّاً أمام الصدمات العالمية.
2. تعويم غير مدعوم بالإنتاج: تحرير سعر الصرف في اقتصاد يفتقر لقاعدة إنتاجية وتكنولوجية قوية أدى إلى تضخم متسارع وتآكل القوة الشرائية، من دون أن يقابله تحسن ملموس في الصادرات.
فكيف يتسنى لدوله تخفيض عملتها إلا إذا كانت صادراتها أكثر من وارداتها حتى صادراتها منخفضة المكون التكنولوجي !! كيف لحكومه أن تقرر التعويم في أكبر دوله في العالم مصدره للدولار  نعم تجمع إيراداتها الدولاريه لتعيد تصديرها  حيث فاتورة وارداتها مثقله باستيراد الأجزاء والمكونات والمنتجات المفككه تفكيكا كاملا لتعيد تصديرها بالمخالفه لشرط اكتساب صفة المنشأ وهي نسبة 40% مدخلات محليه على الأقل لكي تؤتي ثمارها من التصدير لا من الصناعه الوهميه !!  وكيف لحكومه تشجع التصنيع المحلي أن تجمع التصنيع والتجميع في بوتقه واحدة من حيث المحفزات والإعفاءات الضريبيه والجمركيه ؟!وكيف لحكومه التوسع في المناطق الحره التي تخسر مصر سنويا مليار دولار؟! فأصبحت باب خلفي للاتجار والتهريب ولم تحقق نسبة ال 80% تصدير وهي شرط لتحقيق ارباحها وإلا كيف تربح وهي تصدر 15% فقط وكيف توفر مرتبات عمالها ؟! وكيف تنقل التكنولوجيا التي من أهم أسباب إنشائها وهي تستورد جميع معداتها وخطوط إنتاجها ؟!
3. غياب التكامل بين السياسات: اقتصرت الحكومة على السياسات النقدية والمالية، بينما أهملت السياسات الصناعية والجمركية، ما أدى إلى انفصال أدوات الإدارة الاقتصادية عن أهداف التنمية.. 
4 . تراجع دور الجمارك: رغم أن الجمارك المصرية تُطبق أكثر من 80 قانوناً يرتبط بالصناعة ، الاستثمار، الزراعة، التجارة، الصحة، والأمن القومي، إلا أن ضعف البنية المؤسسية والموارد البشرية جعلها عاجزة عن أداء دورها الفعال
بل تم تهميش دورها بتأجير المواني لشركات أجنبيه في ظل وجود منظومه جمركيه مهترئه مفرغه من كوادرها لاتملك حتي تعيين موظفيها في الوقت الذي يوجد فيه موظفون جمارك  
برتبة مسئول أمن قومي ينتمي لهيئة أمن قومي تملك جميع وسائل حماية اقتصادها وأمنها الاقتصادي في وقت  تحولت فيه الحروب العسكريه إلى حروب رسوم جمركيه يمتلكون كل الإمكانيات الفائقه لتسيير مهام عملهم الخطير كحراس حدود وقضاة مال فهم يمتلكون  طيارات مسيره واجهزة المسح الذكي كما في أمريكا فتقاريرهم الاقتصاديه وسياساتهم الجمركيه التي يضعونها  بأنفسهم يتابعها الرئيس مباشرة يوما بيوم  ليس من خلال وزاره فتتشتت الجهود وتضيع المسئوليات فيصعب المساءله وصولا الى الفساد المزمن
الجمارك في العالم المتقدم أداة للنهضة والأمن القومي :
الولايات المتحدة: تعاملت مع الرسوم الجمركية كأداة استراتيجية للأمن القومي والقدرة التنافسية، وبرز ذلك بوضوح في سياساتها تجاه الصلب والألومنيوم في مواجهة الصين والاتحاد الأوروبي. وحرب الرسوم الجمركيه التي أطلقها ترامب لفتح المصانع المغلقه واستيعاب البطاله 
الاتحاد الأوروبي: وضع سياسة جمركية موحدة لحماية السوق الداخلية من الإغراق السلعي والمنافسة غير العادلة. 
التجارب الآسيوية: استخدمت اليابان وكوريا الجنوبية والصين التعريفة الجمركية بشكل انتقائي لحماية الصناعات الناشئة، مع فتح المجال أمام التكنولوجيا ووسائل الإنتاج المتقدمة.
في جميع هذه الحالات، لم تُترك الجمارك كأداة تحصيل إيرادات، بل جُعلت أداة سيادية توجه هيكل الاقتصاد، وتربط بين التجارة الخارجية والسياسات الصناعية. 
الدرس التاريخي المصري :
في مطلع القرن التاسع عشر، أدرك محمد علي باشا أن السياسة الجمركية هي رافعة أساسية للنهضة. فكان يتابع بنفسه عمل "ديوان الجمارك" في الإسكندرية وبورسعيد، ويستخدم الرسوم الجمركية لتعزيز صناعات محددة ووقف استيراد منتجات منافسة. النتيجة كانت بناء قاعدة صناعية وزراعية وتجارية وضعت مصر في قلب حركة التجارة العالمية حينها
مصر لاتحتاج إلى نصائح خارجيه للإصلاح الاقتصادي سواء من صندوق النقد أو من شركات استشاريه
بل تحتاج فقط إلى إعادة الاعتبار للجمارك كجهاز سيادي ينبغي أن يكون له استقلالية مؤسسية ووضعية خاصة، بحيث ترتبط مباشرة بصانع القرار الأعلى، لا باعتبارها إدارة إيرادية تابعه لوزارة الماليه
مع التكامل بين السياسات الاقتصادية بحيث تصبح السياسة الجمركية جزءاً من حزمة متناسقة تضم السياسة النقدية والمالية والصناعية. 
خلاصة القول إن الإصلاح الاقتصادي لا يُختزل في تحرير أسعار الصرف أو زيادة الضرائب، بل يتطلب رؤية متكاملة تُعيد صياغة هيكل الاقتصاد. وتجارب العالم المتقدم تؤكد أن الجمارك ليست مجرد منفذ حدودي، بل أداة سيادية عليا لحماية الأمن القومي، وتوجيه الاستثمار، وبناء قاعدة إنتاجية مستدامة.
إن إعادة الاعتبار للجمارك في مصر ليس ترفاً مؤسسياً، بل ضرورة إستراتيجية للخروج من الحلقة المفرغة بين الاستيراد المفرط والتضخم والجباية، ووضع الاقتصاد على مسار التنمية الحقيقية.