خبير آثار يطالب بتحويل بيت المساجيري بالسويس إلى مركز للتراث البحري

أكد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، على الأهمية التاريخية الكبرى لبيت المساجيرى بالسويس، الذى يقع بحى السويس، بنى عام 1863م أمام شاطئ الخور على طريق الكورنيش القديم في عهد محمد سعيد باشا، بواسطة الشركة الفرنسية “Les Messageries Maritimes”، بمعنى "البريد السريع"، ليكون مركزًا لنقل الرسائل والبضائع والأفراد من الشرق الأقصى إلى أوروبا قبل افتتاح قناة السويس.
كما ذكر أن شركة مستعمرات الهند البريطانية هي التي أنشأت المنزل منذ ما يقرب من 300 عام طبقًا للمستندات الرسمية، وتم بناؤه فى ذلك الوقت لوجود طريق الحرير للبضائع القادمة من الهند إلى ميناء السويس الذى يطل عليه منزل المساجيرى.

وأوضح الدكتور ريحان أن المنزل كان موقعًا لاستقبال المسافرين والبضائع في أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين من جميع أنحاء العالم، وكلمة مساجيرى تطلق على الأماكن التى تستضيف الركاب، كما استخدم مركزًا لشركة فرنسية لإدارة أعمال القناة قبل افتتاح القناة وبعده.
تولت الشركة الفرنسية للملاحة، أول شركة أدارت الحركة في القناة، تجهيز المكان بالمعدات والأجهزة ليكون مركزًا للتحكم في حركة المدخل الجنوبي ومرور السفن التجارية وكان يشهد تواجد المرشدين الملاحيين ومشرفي الحركة حتى إنشاء الشركة الفرنسية مباني جديدة للمديرين وكبار المرشدين بمنطقة بور توفيق.
وأنشئ بيت المساجيرى مباشرة على الكورنيش القديم حاليًا بحى السويس بغرض رؤية ومراقبة حركة السفن العابرة للقناة من المدخل الجنوبى، وكان استراحة لتجار التوابل، حيث كان يتم استيراد التوابل والزيوت من الهند والصين ودول جنوب شرق آسيا، وبه مخازن للغلال، وكانت تدار منه الحركة الملاحية بالمدخل الجنوبى لقناة السويس عقب افتتاح القناة فى 1869 وتولت الشركة الفرنسية للملاحة تجهيز المكان بالمعدات ليكون مركزًا للتحكم بحركة المدخل الجنوبى ومرور السفن التجارية، وكان يشهد تواجد المرشدين الملاحيين ومشرفى الحركة.

عمارة المنزل:
أشار الدكتور ريحان إلى أن المنزل يتكون من طابقين، استخدم الطابق الأول مخزنًا للبضائع، ويتكون الطابق العلوي من مجموعة من الغرف وأعلى البيت صواري وبرجان من الخشب، يعلوه تلسكوب ضخم يستخدم لتحديد جنسية السفن العابرة وبمجرد التعرف عليها يقرع جرس كبير لتنبيه العمال ويرفع علم الدولة التي تنتمي إليها السفينة على الصاري، ثم يتحرك العمال على لنشات وسفن صغيرة لنقل البضائع من السفن إلى السكك الحديدية التي كانت تمر حينها بشارع بورسعيد لنقل البضائع إلى القاهرة، ولا تزال الأبراج والتلسكوب في أماكنها حتى الآن.
أهمية المنزل:
ونوه الدكتور ريحان إلى أن البيت مسجل ضمن المباني التراثية بمحافظة السويس ويخضع للحماية بالقانون 144 لسنة 2006، كما مر عليه أكثر من 100 عام من تاريخ إصدار قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 ويستحق التسجيل كأثر لأهميته التاريخية والمعمارية والفنية ليخضع لحماية أقوى بقانون حماية الآثار، وأن المباني التراثية بمصر هي المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المميز، أو المرتبطة بالتاريخ القومي، أو بشخصية تاريخية، أو التي تمثل حقبة تاريخية، أو التي تعتبر مزارًا سياحيًا مهددًا بالاندثار من جراء التعدي عليها وإهمالها، ويحظر هذا القانون الترخيص بالهدم، أو الإضافة للمنشآت ذات الطراز المعماري المميز إلا بترخيص يصدر وفقًا لأحكام هذا القانون.

ذاكرة السينما:
ولفت الدكتور ريحان إلى ارتباط المنزل بذاكرة السينما المصرية، فقد تم تصوير فيلم "ابن حميدو" بطولة إسماعيل ياسين، أحد أبناء مدينة السويس، خصوصًا مشهد سكب الماء على الباز أفندي بواسطة الفنان توفيق الدقن، الذى تم من خلال إحدى نوافذ منزل المساجيري
وكذلك فيلم “حكايات الغريب”، المأخوذ عن قصة للكاتب جمال الغيطاني، وغنى فيه الفنان محمد منير أغاني فرقة أولاد الأرض السويسية، فارتبط بذاكرة التراث الشعبى السويسى
طريق الحرير:
كما كان الطريق قديمًا جزءًا من طريق الحرير، حيث تدخل المراكب إلى قناة السويس ومنها إلى ميناء بور توفيق، أو إلى الأرصفة القديمة المطلة على الخور لتفرغ بضائعها إلى المخازن ومنها إلى قطارات السكك الحديدية.
كما ارتبط البيت بثانى أقدم سكة حديد في مصر وثالث أقدم خط في العالم الذي يمتد من أمام بيت المساجيري حتى القاهرة، حيث تنقل البضائع التي تصل عبر المراكب من الخارج إلى الأسواق المحلية.
كما يشكّل جزءًا من تاريخ مصر الحديث، حيث اتخذه نابليون بونابرت وقادة علماء الحملة الفرنسية على مصر، مقرًا لهم، وشهد البيت دورًا وطنيًا أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث احتمى بخنادقه أهل السويس من القصف الجوي.

إهمال المنزل:
وأوضح الدكتور ريحان أن سبب إهمال المنزل هو تلاشى الخط الحديدي التاريخى مع ردم البحر المواجه للبيت، مما أدى لتغيير معالم المنطقة، فقلت أهمية المنزل وتحول بعد ذلك إلى مبنى سكني به ثماني أسر، كما استخدمت بعض غرفه مخازن للبمبوطية الذين يتلقفون البضائع من السفن الراسية في الميناء ولهم تاريخ عريق وتراث فنى شهير ورقصة تُعرف برقصة “البمبوطية”.
وينتمى البيت لملكية شركة القناة للتوكيلات الملاحية، حيث كان يتبع شركة "عبر البحار" التى تغير اسمها بعد تأميم الشركة عام 1956 وما زال البيت يحمل لافتة باسم شركة القنال للتوكيلات الملاحية باعتبار أن الأرض والمنشآت عليها تعود ملكيتها إلى الشركة.
التهديدات البشرية للمنزل:
وأضاف الدكتور ريحان بأن المنزل مهدد معماريًا من خلال إزالة سور المنزل الأصلى وبناء سور من الدبش ومحاولة البعض الالتفاف على القانون بتزوير بعض الأوراق والمستندات بعقود وهمية لهدمه وبناء أبراج سكنية بدلاً منه، حسب تأكيد أساتذة التاريخ بجامعة السويس، وأسر مقيمة بالمنزل منذ عشرات الأعوام.
مطالب:
ويطالب الدكتور ريحان بوقف أي أعمال هدم أو تغيير لمعالم المنزل، والبدء في ترميمه وإعادة توظيفه بتحويل الموقع إلى مركز ثقافى للتراث البحرى والتجارى والعمارة والفنون المرتبطة بقناة السويس وتطوير الموقع بالكامل وإحياء المسار التجارى القديم والمرتبط بطريق الحرير.