صيام شهر الله المحرم ويوم عاشوراء.. نافذة عظيمة للمغفرة والفضل

في شهر الله المحرم، تتجدد مشاعر الإقبال على الطاعات، وتعلو أصوات المحبين بالسؤال عن فضل صيام هذا الشهر المبارك، لا سيما يوم عاشوراء، لما له من مكانة عظيمة في الشرع الشريف، وارتباطه بتاريخ الأنبياء والمرسلين.
ويُعد صيام المحرم واحدًا من أعظم الأعمال التي يُستحب الإكثار منها، حيث وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم»، فمجرد نسبته إلى الله تعالى دليل على شرفه وفضله، وهو الشهر الوحيد الذي أضافه الله إلى نفسه فقال: "شهر الله المحرم".
صيام المحرم.. عبادة خالصة وجزاء غير محدود
صيام شهر المحرم لا يرتبط بيوم محدد فقط، بل يستحب الإكثار من الصيام فيه عمومًا، لأنه من الأشهر الحُرُم التي عظّمها الله، ورفع منزلتها، وجعل لها حرمة خاصة، فكان من أعظم شهور العام بعد رمضان.
قال ابن القيم رحمه الله: "فإذا جمع صيام المحرم بين فضيلتين، وهما: فضل الزمان وفضل العمل، كان أجره أعظم، وثوابه أكمل".
وفي هذا الشهر، تتجلى عبادة الصيام في أسمى صورها، حيث إن الصوم عمل لا يطّلع عليه أحد سوى الله، وقد قال الله في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به".
يوم عاشوراء.. فرصة لتكفير ذنوب سنة كاملة
يوم عاشوراء، العاشر من المحرم، هو يوم نجاة وفضل، نجا الله فيه نبيّه موسى عليه السلام من بطش فرعون، وصامه موسى شكرًا لله، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومونه، فقال: "نحن أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.
وبيّن صلى الله عليه وسلم عظيم ثواب هذا اليوم، فقال: "وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله"، أي أن الله يغفر به الذنوب التي وقعت في العام الماضي، بشرط اجتناب الكبائر، لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة.
كما أن من حرصه صلى الله عليه وسلم على هذه الشعيرة، أنه قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، أي يوم تاسوعاء، وذلك لمخالفة اليهود، فاستحب العلماء صيام اليوم التاسع والعاشر معًا، وهو أفضل المراتب.
وقد قال الإمام النووي: "أكمل المراتب صيام تاسوعاء وعاشوراء، ويليه صيام العاشر وحده، ويليه صيام الحادي عشر مع العاشر لمن لم يصم التاسع".
المحرم من الأشهر الحرم.. فلا تظلموا فيهن أنفسكم
المحرم ليس مجرد شهر مفضل، بل هو واحد من الأشهر الأربعة الحُرُم التي ذكرها الله في كتابه، فقال:
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم" [سورة التوبة: 36].
وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.
وسميت "حرُمًا" لأن الله حرم فيها القتال، وشدد فيها النهي عن الظلم، وهذا يشمل ظلم النفس بالمعاصي، أو ظلم الآخرين بالعدوان أو الغفلة.
وقد قال الحسن البصري: "العمل الصالح في الأشهر الحرم أعظم أجرًا، والظلم فيها أعظم إثمًا"، فكيف إذا اجتمع فضل الزمان (المحرم) مع فضل العمل (الصيام)؟