خطورة حبوب منع الحمل على صحة المرأة

تشعر بعض النساء بالقلق إزاء كيفية تأثير حبوب منع الحمل على صحتهن النفسية، فهل توجد أدلة علمية تدعم صحة هذه المخاوف؟
استخدمت سارة إي هيل، على غرار العديد من الشابات، حبوب منع الحمل خلال السنوات الأخيرة في مرحلة المراهقة ومعظم عقدها الثالث، وتقول هيل، التي تعمل باحثة وأستاذة في علم النفس التطوري بجامعة تكساس المسيحية في الولايات المتحدة: "لم يخطر ببالي إطلاقا أن أشكك في الأمر"، إلا أنها، وبعد مرور 12 عاماً على بدء استخدامها للحبوب، أدركت حقيقة جديدة عندما غيّرت وسيلة منع الحمل.
وشهدت السنوات الماضية زيادة مخاوف النساء بشأن الآثار الجانبية لحبوب منع الحمل، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على مزاج المرأة وصحتها النفسية، كما حظيت تلك القضية بردود فعل واسعة، تجلّت بوضوح على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لاقت وسوم مثل "التخلي_عن_وسائل_منع_الحمل" انتشاراً واسعا بين الملايين، وثمة اعتقاد أن هذا الحراك قد يمثّل أحد العوامل التي أدت إلى تراجع شعبية حبوب منع الحمل خلال السنوات الماضية.
كما سجلت معدلات استخدام حبوب منع الحمل تراجعاً ملحوظاً في العديد من الدول المتقدمة، ففي إنجلترا، أفادت خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بتراجع نسبة النساء اللاتي يعتمدن على حبوب منع الحمل من 39 في المئة خلال الفترة 2020-2021 إلى 27 في المئة خلال الفترة 2021-2022.
أما في الولايات المتحدة، فقد تراجعت نسبة المستخدمات من 31 في المئة عام 2002 إلى 24 في المئة بين عامي 2017 و2019، كما شهدت كل من كندا وأستراليا تراجعاً ملحوظاً، وتراجعت معدلات الاستخدام من 23 في المئة خلال الفترة بين عامي 2006-2016، إلى 11 في المئة خلال الفترة 2008-2016، على التوالي.
وإلى جانب تسليط الضوء على المخاوف المشروعة لدى بعض النساء، يسهم بعض المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي في نشر معلومات مضللة عن الآثار الجانبية لحبوب منع الحمل، سواء على الصعيد النفسي أو الجسدي، وعلى الرغم من عدم تأهلهم طبياً، يتجرأ بعضهم على دعوة النساء إلى التخلي عن وسائل منع الحمل نهائياً، وهو ما دفع بعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن ذلك أحد العوامل الكامنة وراء الزيادة الأخيرة في معدلات الإجهاض في المملكة المتحدة.
والسؤال: هل يمكن أن تؤثر حبوب منع الحمل على شخصية المرأة ونظرتها للحياة؟ وهل يمكن أن تسهم في حدوث اضطرابات نفسية خطيرة لديها، مثل القلق والاكتئاب، أو أن تؤدي في بعض الحالات القصوى إلى الانتحار؟
عندما ظهرت حبوب منع الحمل أول مرة في الولايات المتحدة عام 1960، بلغ عدد المستخدمات لها 1.2 مليون سيدة في غضون عامين فقط، ومثلّت هذه الأقراص الصغيرة ثورة في قطاع تنظيم النسل، إذ رحبت بها النساء باعتبارها رمزاً للتحرر الجنسي وتعزيز دور المرأة، مما أتاح لهن التحرر من القلق بشأن حدوث حمل غير متوقع قد يعيق مسيرتهن المهنية أو الأكاديمية.
وأصبحت حبوب منع الحمل الآن الخيار الأكثر شيوعاً لدى نحو 150 مليون سيدة في شتى أرجاء العالم، وهو ما يمثل نحو 16 في المئة من إجمالي مستخدمات وسائل منع الحمل عالمياً، إذ تتمتع هذه الوسيلة بمعدل فشل منخفض لا يتجاوز واحد في المئة، وقد يصل إلى 9 في المئة بسبب الأخطاء البشرية، مثل نسيان بعض السيدات تناول الجرعة أحيانا.
ويُحدد الخبراء معدل فشل أي وسيلة لمنع الحمل بعدد حالات الحمل غير المقصودة التي قد تحدث بين كل 100 سيدة يستخدمن تلك الوسيلة خلال عام واحد.
منع الحمل: كيف أسهمت "الحبة السحرية" في تحرير المرأة لكن حملتها المسؤولية وحدها
ويوجد نوعان من حبوب منع الحمل، كلاهما يحتوي على هرمونات جنسية اصطناعية، النوع الأول يعرف بـ "الحبّة المركبة"، وهي الأكثر استخداماً، وتحتوي على أنواع اصطناعية من هرموني الأستروجين والبروجستيرون، أما النوع الثاني فيعرف بـ "الحبة الصغيرة" ويحتوي فقط على هرمون البروجستيرون.
ويعمل كلا النوعين بطرق متعددة لمنع الحمل، تشمل خفض عملية التبويض وزيادة كثافة مخاط عنق الرحم، الأمر الذي يعرقل رحلة الحيوانات المنوية ويمنعها من الوصول إلى البويضة.
بيد أن تأثير هرمونات حبوب منع الحمل لا يقتصر على جسم المرأة فحسب، بل يمتد ليترك أثرا عميقاً على المخ أيضاً.
ويقول يوهانس بيتزر، طبيب النساء والتوليد والمعالج النفسي في مستشفى جامعة بازل بسويسرا إن "تأثير الهرمونات على مخ المرأة بالغ التعقيد. فبينما قد تسهم حبوب منع الحمل في تعزيز الصحة النفسية لدى البعض، فإنها قد تعزز التوتر والقلق لدى أخريات".
وعلى مدار 65 عاماً من انتشار حبوب منع الحمل، كانت التحذيرات الطبية بشأنها نادرة للغاية، بل إن بعض مقدمي خدمات الصحة الجنسية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة لا يأتون مطلقاً على ذكر تأثيراتها النفسي على مواقعهم الإلكترونية.
ويوضح بيتزر، الذي يعمل في هذا المجال لنحو 40 عاماً، أن "المشكلة الأساسية تكمن في أن تدريب أطباء التوليد وأمراض النساء لا يأخذ في الاعتبار التدريب على الصحة النفسية للمرأة، إذ تُعتبر من اختصاص الأطباء النفسيين".
ويضيف أن الأمور بدأت تتغير تدريجياً، لكنه يلفت إلى أنه في الماضي "كنا نركز في حديثنا، عند مناقشة استخدام حبوب منع الحمل، على موضوعات مثل الجلطات، السرطان، حدوث نزيف غير منتظم، وزيادة الوزن، في حين أن موضوع الصحة النفسية كان يُستبعد إلى حد كبير".
ولم يُجر الباحثون سوى القليل من الدراسات بشأن الآثار النفسية المحتملة لحبوب منع الحمل، لكن بحسب بيتزر، فقد بدأ التغيّر في هذا المجال عام 2016، عندما نشر فريق دنماركي دراسة رائدة بشأن الموضوع، مهدت الطريق أمام إجراء المزيد من الدراسات في سنوات لاحقة.
وركزت الدراسة الدنماركية على تحليل قاعدة البيانات الصحية الوطنية المتعلقة بالحالة النفسية لما يزيد على مليون فتاة وسيدة تتراوح أعمارهن بين 15 و34 عاماً على مدار 14 عاماً، وخلصت نتائج الدراسة إلى أن السيدات اللواتي بدأن استخدام الحبوب المركبة مثّلن الفئة الأكثر عرضة لاستخدام مضادات الاكتئاب بنسبة 70 في المئة بعد ستة أشهر، مقارنة بأخريات لم يستخدمن حبوب منع الحمل من قبل، أما اللواتي استخدمن الحبة الصغيرة، فقد شكّلت نسبة الخطر 80 في المئة.
ما الذي يكمن وراء ظهور وانتشار تطبيقات منع الحمل؟
كما خلص فريق بحثي آخر إلى نتائج مماثلة، في عام 2023، بعد أن درسوا السجلات الصحية لرُبع مليون سيدة ضمن قاعدة بيانات البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وهو أرشيف ضخم يضم معلومات وراثية وطبية، وكشفت الدراسة أن السيدات اللواتي استخدمن حبوب منع الحمل مثّلن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 71 في المئة مقارنة بمن لم يستخدمن حبوب منع الحمل إطلاقاً، وذلك بعد عامين من بدء استخدامهن لهذه الوسيلة.
ويقول أويفيند ليديغارد، اختصاصي الأوبئة الطبية في مجال التوليد وأمراض النساء بجامعة كوبنهاغن، الذي أشرف على الدراسة الدنماركية إنه "يوجد ارتباط زمني واضح بين البدء في استخدام هذه المنتجات وظهور أعراض الاكتئاب فيما بعد".
وعلى الرغم من ذلك، فإن هاتين الدراستين كانتا من نوع "الدراسات الجماعية"، اعتمدتا على تحليل بيانات مجموعات كبيرة من السيدات، ومقارنة الحالة النفسية بين من استخدمن حبوب منع الحمل ومن لم يستخدمنها، وإن كان هذا النهج البحثي يتيح إمكانية تحديد وجود ارتباط بين الأمرين، إلا أنه لا يستطيع الجزم بوجود علاقة سببية مباشرة، فقد تكون هناك، على سبيل المثال، بعض الفروق السابقة بين المجموعتين، الأمر الذي قد يؤثر على النتائج النهائية للدراسة.