رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

«الوفد» تحاور رئيس منظمة أنصار الأسرى في غزة

جمال فروانة: انتهاكات غير مسبوقة داخل سجون الاحتلال

 جمال فروانة رئيس
جمال فروانة رئيس منظمة أنصار الأسرى في غزة

- الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين واجب إنساني وأخلاقي

- أعيش معاناة الأسرى لأنني جزء من عائلة أسيرة

- قرارات ترامب الأخيرة عززت تعنت الاحتلال في التعامل مع الأسرى

- الاحتلال الإسرائيلي يشعر بنشوة من تصريحات ترامب الأخيرة

- الشعب الفلسطيني لن يهاجر ولن يحدد مستقبله أحد

- سياسة التهجير تزيد المسجونين إصرارًا على التمسك بحقهم في أرضهم

- جهود مستمرة لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية ضد الأسرى وتقديمها للمحاكم الدولية

- صفقات التبادل أمل الأسرى وسلاح لتحريرهم

 

 في قلب معركة النضال الفلسطيني، تظل قضية الأسرى في السجون واحدة من أبرز القضايا الإنسانية التي تتطلب تسليط الضوء المستمر والجهود المتواصلة. من بين هؤلاء الذين حملوا همّ الأسرى على عاتقهم، برز جمال عوني فروانة، رئيس منظمة أنصار الأسرى في قطاع غزة، الذي كرّس حياته للدفاع عن حقوق الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون في سجون الاحتلال.

 رحلة جمال فروانة ليست مجرد مسيرة نضالية، بل انعكاس لمعاناة شعب عاش هذه التجربة المؤلمة في ظل الاحتلال. لم يتراجع فروانة عن هدفه الأسمى وهو تحرير الأسرى الذين يقبعون خلف القضبان بعدما عاش مرارة الاعتقال والتعذيب فقرر حمل لواء الدفاع عنهم بكل جوارحه.

 في هذا الحوار، نلتقي قائدًا عاش الألم وعايشه، ليقدم لنا رؤية صادقة وواضحة عن أوضاع الأسرى، وكيفية دعمهم في ظل الظروف الراهنة.

 وإلى نص الحوار:

* بدايةً.. نود أن نتعرف على تفاصيل مسيرتك في الدفاع عن حقوق الأسرى الفلسطينيين. كيف كانت بداياتك في هذا المجال، وما الذي دفعك للانخراط في هذه القضية الإنسانية؟

 بدأت رحلتي في الدفاع عن الأسرى منذ عام 2000، حيث أسسّت منظمة أنصار الأسرى، ولكن جذور اهتمامي بهذه القضية تعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فقد كنت في عام 1996 عضوًا فاعلًا ومؤسسًا في جمعية الأسرى والمحررين "حسام"، وهي مؤسسة تهتم بشؤون الأسرى، وكانت منظمة أنصار الأسرى الذراع الشبابي الميداني لهذه الجمعية. ما دفعني للاهتمام بقضية الأسرى أنني عشت التجربة القاسية للاعتقال بنفسي، حيث اعتقلت عام 1986 وتحررت في 1994. فقد كنت أسيرًا محررًا ولدي تجربة مريرة مع السجون؛ فوالدي أمضى 15 عامًا في سجون الاحتلال، فقد اعتقل عام 1970 وتحرر بصفقة "أحمد جبريل" عام 1985، كنت حينها في بطن أمي، وكبرت وأنا أعيش معاناة العائلة بفقدان الأب طوال تلك السنوات. وبعد تحرره عشت معه عامًا واحدًا فقط قبل أن يتم اعتقالي في عام 1986، كما أنني تأثرت بمعاناة أخي الذي اعتقل في الانتفاضة الأولى.. وبالتالي نحن من عائلة أسيرة، عائلة عاشت داخل السجون كزوار وكأسرى محررين، هذه التجارب الحية التي عشناها في ظل الاحتلال جعلتني أؤمن بأن الدفاع عن الأسرى واجب إنساني وأخلاقي، وسخرت حياتي للعمل من أجل تقديم الدعم والمساندة لكل الأسرى الذين يعانون في السجون.

* ما أبرز التحديات التي اعترضت مسيرتك أثناء عملك في منظمة "أنصار الأسرى"؟

 لقد حظيت جهودنا في الدفاع عن الأسرى بتعاطف كبير من قِبل شعبنا الفلسطيني، وكذلك من المؤسسات الرسمية والشعبية، حيث إننا ندافع عن قضية وطنية لا يختلف عليها أحد، لكن في الوقت ذاته واجهتنا تحديات جسيمة من المجتمع الدولي، وتحديدًا من بعض المؤسسات الدولية التي حاولت التشكيك في مصداقية قضيتنا، فاعتبرت أن ما نقوم به هو دفاع عن "معتقلين سياسيين" أو حتى "إرهابيين". هذه التصنيفات أثرت سلبًا على فهم العالم الخارجي لعدالة قضيتنا. بالإضافة إلى ذلك، واجهنا تحديات داخلية، أبرزها حالة الانقسام السياسي التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني في عام 2006، مما ترك أثرًا بالغًا على فاعليتنا وقدرتنا في تقديم الدعم اللازم للأسرى والدفاع عن حقوقهم.

* هل تعرضتَ لضغوط أو تهديدات بسبب نشاطك في الدفاع عن الأسرى؟

 لم نواجه ضغوطات أو تهديدات من أي جهة كانت؛ لأننا اخترنا أن ندافع عن قضية الأسرى بطرق سلمية وأخلاقية، حيث اعتمدنا على أساليب سياسية، دبلوماسية، قانونية وجماهيرية لرفع صوتهم. ربما كنا قد شكلنا صوتًا حقيقيًا للأسرى داخل السجون، صوتًا يعبر عن معاناتهم وآلامهم وجراحهم التي لا تنتهي. وأعتقد أن هذا الصوت يؤلم الاحتلال، لأنه يفضح ممارساته القمعية بحق الأسرى.

جمال فروانة

* كيف تقيّم دورك اليوم في دعم الأسرى.. وهل هناك إنجازات تراها فارقة في مسيرتك؟

 نحن نعتز بما حققناه من إنجازات في مجال الدفاع عن الأسرى، ونشعر بالرضا التام عن عملنا، لأننا تمكنا من تشكيل حالة حية ومستدامة تعكس حقيقة معاناتهم؛ لأننا تمكنا من تشكيل حالة حية تعكس حقيقة معاناتهم، حيث أصبح الدفاع عن قضية الأسرى جزءًا من النضال اليومي، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. وقد كان ذلك بفضل جهودنا المستمرة والمخلصة كمؤسسة معنية بشؤون الأسرى، عملت بكل ما أوتيت من قوة لتكون قضيتهم في صدارة الاهتمام الوطني والدولي. وهناك جهة رسمية تربطنا بها علاقة وثيقة، وهي "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، التي تمثل الجسم الرسمي للدفاع عن الأسرى والمحررين.

وأعظم إنجاز لنا هو رؤية كل الأسرى محررين، معززين بين شعبهم، وعدم رؤية أي فرد منهم داخل سجون الاحتلال. أما الإنجازات التي حققناها على الأرض، فقد تمكنا من أن نكون الصوت المدافع والملهم لكل الأسرى، وخلقنا بيئة شعبية حاضنة لهم ما يشكل ضغطًا على كل المستويات لتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، وجعلنا قضية الأسرى في قلب كل فلسطيني حتى تحرير آخر أسير من سجون الاحتلال، وهذا هو الهدف الجوهري لتأسيس منظمة "أنصار الأسرى".

* ما أبرز الأنشطة والمبادرات التي تنفذها منظمتكم في سبيل دعم ومناصرة قضية الأسرى الفلسطينيين؟ 

 لقد نظمنا مجموعة واسعة من الفعاليات والمبادرات التي تسهم في تعزيز قضية الأسرى على مختلف الأصعدة، منها مبادرات إلكترونية متنوعة لتسليط الضوء على معاناتهم وحقوقهم. كما شاركنا في تنظيم اعتصام استمر لأسبوع كامل في ساحة الصليب الأحمر، كان له تأثير كبير في تعبئة الرأي العام حول قضية الأسرى. ونظمنا أيضا العديد من الفعاليات التضامنية مع الأسرى أثناء إضرابهم عن الطعام، مثل نصب خيام التضامن وخيام الإضراب التي كانت تشكل رمزًا لدعمهم في معركتهم من أجل حقوقهم، وكان لنا دور فعال في مراسلة المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وعقدنا لقاءات عدة مع المسؤولين الأمميين بقطاع غزة، وتبادلنا معهم الآراء والمقترحات الخاصة بقضية الأسرى، في إطار تعاوننا المستمر مع المؤسسات الحكومية ذات الصلة.

* كيف تقيّم الأوضاع الحالية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.. وما أبرز الانتهاكات التي يتعرضون لها؟

 يجب علينا أن نُفرق بين أوضاع الأسرى قبل 7 أكتوبر وما بعدها، حيث كانت أوضاع الأسرى قبل هذا التاريخ صعبة للغاية من الناحية الحياتية والمعيشية، حيث عانوا من ظروف قاسية تشمل الإهمال الطبي المستمر، وحالات العزل الانفرادي، فضلًا عن الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى الأطفال والأسيرات. أما بعد 7 أكتوبر، فقد تغير الوضع بشكل خطير جدًا، حيث زادت نسبة الاعتقالات بشكل ملحوظ، وواجه الأسرى إجراءات قمعية غير مسبوقة تمثلت في سحب كافة الأجهزة الكهربائية، وتقليل الطعام والشراب، وإلغاء فترات الفورة، ومنع زيارات الأهل والمحامين. كان الاحتلال يتعامل مع الأسرى وكأنهم يجب أن يكونوا في معزل تام عن العالم الخارجي، ما جعل ظروفهم تتدهور بشكل كبير. لم تقتصر المعاناة على الأسرى داخل السجون، بل امتدت حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة لتطالهم أيضًا بلا هوادة، حيث تعرض العديد منهم للقتل إما بالإهمال الطبي المتعمد أو بإطلاق النار عليهم، ووفقًا للتوثيقات لدينا، فإن أكثر من 54 أسيرًا تم تصفيتهم، لكن هناك أعدادًا أخرى من المفقودين لم نتمكن من توثيق مصيرهم بعد. كما وردتنا شهادات من أسرى مفرج عنهم تشير إلى أن العديد من المعتقلين تعرضوا لإطلاق النار داخل المعسكرات، مثل معسكر سدي تيمان سيئ الصيت ةالسمعة. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأسيرات اللواتي تعرضن للتحرش والاغتصاب، وبعضهن تم استخدامها كدروع بشرية. أما بالنسبة للأسرى الأطفال، فقد تعرضوا للضرب والإهانة وسوء المعاملة، سواء من ناحية الطعام أو المعاملة اليومية. وعندما نستقبل الأسرى المحررين، نلاحظ التغيرات الواضحة على وجوههم، ويخبرنا الكثير منهم عن فقدانهم لأوزانهم بشكل ملحوظ، حيث تراوحت الخسارة بين 20 و30 كيلوجرامًا، وهو ما يعكس سوء المعاملة والممارسات الوحشية التي يتعرضون لها في سجون الاحتلال.

*هل تعتقد أن قرارات ترامب الأخيرة زادت من تعنت الاحتلال في التعامل مع الأسرى؟

 لقد أسهمت القرارات الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب في تعزيز تعنت الاحتلال الإسرائيلي في تعامله مع الأسرى ومع قضايا شعبنا الفلسطيني بشكل عام، شهدنا هذا التصرف الأهوج من ترامب الذي أطلق تصريحات تحريضية عن التهجير وواصل دعمه للأطماع الصهيونية، وتحالفه المستمر مع الاحتلال، مما يعكس استمرار الحرب الأمريكية-الصهيونية على شعبنا. أعتقد أن الاحتلال يشعر بنشوه من هذه التصريحات، لكنه لا يدرك أن الشعب الفلسطيني سيظل يقاوم بكل عزيمة وإصرار، وسيواصل نضاله رغم كل محاولات التهميش والإلغاء. وبإذن الله، سينتصر شعبنا، وسيتجاوز كل القرارات المجحفة التي اتخذها ترامب، وستفشل جميع محاولاته في دعم الاحتلال ضد حقوقنا العادلة والمشروعة.

* ما مدى خطورة الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل على الوجود الفلسطيني في القدس والضفة؟

 إن الدعم الأمريكي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي يشجع الاحتلال على تصعيد هجماته الهمجية ضد شعبنا الفلسطيني، خصوصًا في القدس والضفة الغربية، بعد أن شنت آلة الحرب الإسرائيلية حرب إبادة ضد قطاع غزة. هذا الدعم الذي يتسلمه الاحتلال من الولايات المتحدة يعزز من سياسات القمع والإرهاب التي يمارسها بحق شعبنا، لكننا على يقين بأن شعبنا الفلسطيني سيبقى صامدًا ومؤمنًا بحقه في النصر. لكننا نؤكد على ضرورة أن يكون هناك دعم عربي موحد، وتلاحم عربي قوي يشكل جبهة عربية رادعة للتصدي لهذه القرارات العدوانية التي اتخذها ترامب في دعم الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن التضامن العربي هو السبيل الأوحد لمواجهة هذه الهجمات المستمرة على قضيتنا العادلة.

* كيف ترى سياسة التهجير التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين؟ وكيف تؤثر على معنويات الأسرى المحررين وعائلاتهم؟

 ما كان يحلم به نتنياهو وحكومته المتطرفة من تهجير الفلسطينيين، جاء ترامب المتهور ليعلنه بشكل علني، مما أدى إلى تصعيد عمليات الاعتقال ضد الشعب الفلسطيني في محاولة لتمرير سياسة التهجير القسري وإخماد الثورة الفلسطينية المشتعلة في صدور الشباب. لكن شعبنا الفلسطيني لن يرضخ لهذه المؤامرات، ولن يسمح لترامب أو لنتنياهو بتحديد مستقبله. رغم كل ما تعرض له شعبنا من ظلم ومعاناة، فإن إرادتنا ثابتة، ولن تؤثر محاولات التهجير على عزيمتنا.  والحقيقة أن سياسة التهجير القسري لم تؤثر على عزيمة الأسرى المحررين وعائلاتهم، بل زادتهم إصرارًا على التمسك بحقهم في أرضهم، ولم تزدهم إلا قوة في مواجهة محاولات الاحتلال لانتزاع حقوقهم. تبقى قضيتهم ثابتة في قلوبهم، ولن تهزها أي محاولات لتغيير واقعهم أو طمس هويتهم.

* هل هناك جهود لتوثيق الجرائم الإسرائيلية ضد الأسرى وتقديمها للمحاكم الدولية؟

 نعم.. هناك جهود مستمرة من قبل المؤسسات الحقوقية المحلية لتوثيق الجرائم الإسرائيلية ضد الأسرى وتقديمها للمحاكم الدولية، ولكن بعد 7 أكتوبر أصبح من الضروري تكثيف هذه الجهود، حيث إن الانتهاكات التي تعرض لها الأسرى باتت ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب. هناك العديد من الحالات التي يجب أن يتم توثيقها بشكل عاجل لضمان محاسبة الاحتلال على ممارساته الوحشية، ولإيصال صوت الأسرى إلى العالم بأسره.

* كيف تنظرون إلى صفقات تبادل الأسرى كوسيلة للإفراج عن المعتقلين؟ ما مدى تأثيرها على معنويات الأسرى داخل السجون؟

 تعد صفقات التبادل أحد الخيارات الأساسية لتحرير الأسرى، إذ لم يتحرر أي أسير سوى بعد انتهاء محكوميته أو من خلال صفقات سياسية أو تبادل أسرى. فإلى جانب الاتفاقات السياسية مثل اتفاق أوسلو التي أدت إلى تحرير بعض الأسرى، إلا أن الاحتلال احتفظ بعدد كبير منهم تحت حجج واهية كادعاء أن 'أيديهم ملطخة بالدماء الإسرائيلية'. هذا التحفظ دفع بالمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلى التفكير في خيار صفقات التبادل، كما حدث في صفقة شاليط التي أفضت إلى تحرير أكثر من ألف أسير. لقد كان لصفقات التبادل تأثير بالغ على معنويات الأسرى الفلسطينيين، إذ أصبحت أملًا كبيرًا لهم في تحريرهم وإعادة لم شملهم مع عائلاتهم، فيجب أن نسعى جميعنا لتبييض السجون والمعتقلات من الأسرى.

* ما الرسالة التي تود توجيهها للأسرى داخل سجون الاحتلال؟

 رسالتي إلى أسرانا البواسل في سجون الاحتلال: نحن معكم دائمًا، وشعبنا الفلسطيني لن يترككم أبدًا. رغم الإبادة والدمار والتضحيات الجسيمة، يظل أملنا قائمًا في تحريركم. نحن نفرح بإطلاق سراح كل أسير، كما رأينا في صفقات التبادل الأخيرة، حيث رغم الدماء التي نزفت في قطاع غزة، كانت فرحتنا لا توصف بإطلاق سراح المعتقلين. ستظل قلوبنا معكم، وجهادكم في سبيل الحرية والإرادة سيظل مصدر فخر وإلهام لكل فلسطيني.