رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدكتور مصطفى النشار رئيس الجمعية الفلسفية المصرية لـ«الوفد»:

حرب «غزة».. البداية الحقيقية لزوال دولة الاحتلال

الدكتور مصطفى النشار
الدكتور مصطفى النشار رئيس الجمعية الفلسفية المصرية لـ..الوفد

لا يوجد تاريخياً دولة اسمها إسرائيل

ليس هناك إسلام سياسى ولا وصاية لأحد على أحد

التعليم هو الأساس الحضارى لأى دولة

نحتاج كياناً عربياً قوياً لمواجهة المؤامرات بالمنطقة

المصريون «فجر الضمير» للحضارة الإسلامية والعالم 

المفكر الكبير الدكتور مصطفى النشار أستاذ الفلسفة المتفرغ بكلية الآداب جامعة القاهرة رئيس الجمعية الفلسفية المصرية هو أحد الفلاسفة الكبار فى مصر والوطن العربى.

«النشار» هو مقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية أساتذة الفلسفة فى مصر، وهو مقرر لجنة الفلسفة والاجتماع والأنثروبولوجيا بالمجلس الأعلى للجامعات، صدر له أكثر من سبعين مؤلفًا فى علوم الفلسفة والفكر.

لم يتوقف «النشار» يومًا ما، فلا تمر سوى برهة إلا ونجده يخرج علينا بمقال ثورى، أو كتاب فكرى أو ببحث فلسفى، ليدلل بعمق أن التنوير صنيعة العقل وأن الوطن العربى لم يعدم عقل وإخلاص مفكريه، ولعل نداءاته المتكررة فى فلسفة التقدم وتحديث مصر نجد لها آذانًا صاغية يومًا ما ولعله يكون قريبًا.

ولد «النشار» فى 30 سبتمبر 1953، بإحدى قرى مدينة طنطا، حصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة بتقدير امتياز 1972 ثم حصل على الماجستير بتقدير امتياز ثم الدكتوراه فى الفلسفة 1982 بمرتبة الشرف الأولى، عمل كمدرس للفلسفة بجامعة القاهرة، ثم تدرج فى السلك الوظيفى ثم أعير للعمل بجامعة بجامعة الإمارات، لمدة ست سنوات عاد بعدها ليتقلد منصب العمادة فى العديد من الكليات الجامعية.

«الوفد» التقت مع المفكر الكبير د. مصطفى النشار رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، «الوفد» التقته وهذا نص الحوار،،

< بداية.. كيف ترصد الصراع العربى الإسرائيلى.. وما رؤيتك لأحداث غزة الأخيرة وكيف تصف هذه الحرب؟

<< هذه الحرب هي -فى اعتقادى- أهم حلقة من حلقات الصراع العربى الإسرائيلى من عدة نواحٍ؛ فهى أولًا قد أيقظت الوعى العربى والإقليمى والدولى بأنَّ ثمة قضية فلسطينية لم تحل بعد أن كاد الكلام عنها والاهتمام بها ينتهى وإلى الأبد! وثانيًا أن هذه أول حرب حقيقية يخوضها ويقودها الفلسطينيون لتحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلى وثالثًا وهذا هو الأهم من وجهة نظرى أن هذه هى البداية الحقيقية لزوال دولة إسرائيل المصطنعة على الأرض العربية؛ حيث أيقظت هذه الحرب وعى العالم بشبابه وشيوخه، بل وعى الإسرائيليين أنفسهم بأنهم دولة احتلال وأنهم يعيشون على أرض ليست أرضهم، ومن ثم فقد بدأ الكثيرون منهم يعيدون النظر فى جدوى وجودهم على هذه الأرض وفى دوام تصديقهم الترهات التى يرددها الحاخامات المتطرفون حول أنها أرض الميعاد.. إلخ.

< منذ بدأ الصراع العربى الإسرائيلى يتعامل الغرب بمنطق حق إسرائيل فى الوجود، كيف ترد على ذلك؟

<< ليس هناك تاريخيًا دولة تسمى إسرائيل وإنما -هى كما قلت- كيان استعمارى خلقه المستعمرون الغربيون ليتخلصوا من ضغط اليهود الصهاينة ويبعدوهم عن أوروبا والغرب وليكونوا رأس حربة لهم مزروعا فى المنطقة العربية لتسهيل الاستيلاء على ثرواتها وللدفاع عن المصالح الغربية فيها وقت اللزوم. وأى كيان استعمارى مآله بالطبع إلى الزوال مهما طال الزمن به ومهما كان جبروته وقوته ومهما كانت قوة داعميه!

< فى رأيك هل تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية آخر نموذج للإمبريالية الجديدة فى ظل هذه الظروف والمتغيرات المستمرة؟ ومن تراه مؤهلًا لقيادة العالم اليوم؟

<< الولايات المتحدة الأمريكية هى منذ نشأتها وإلى الآن كيان استعمارى ضخم بدأ بالاستيلاء على الأرض الجديدة فى القارة وأباد السكان الأصليين فى أسوأ صور الإبادة الجماعية فى التاريخ وبنيت الإمبراطورية الأمريكية على أنقاض وجثث من أبادوهم من خلال حروب وصراعات كثيرة استمرت طويلا قبل تشكيل الدولة الموحدة، ومن ثم فالاستقرار الذى تشهده هذه الولايات المتحدة الأمريكية فى الماضى القريب وحاليًا هو استقرار نسبى ومؤقت وحينما تتضارب مصالح الولايات وتتصارع الجنسيات والألوان المتباينة وتتأزم تلك الصراعات بين الإثنيات ولا تستطيع الحكومة المركزية التحكم فيها والسيطرة عليها ستتفكك هذه الولايات كما تفكك الاتحاد السوفيتى سابقًا.

أما فيما يتعلق بالشق الثانى من السؤال عن من سيقود العالم، فقد ناقشت هذا الأمر فى عدة مؤلفات سابقة أهمها «ضد العولمة» 1998 و«ما بعد العولمة» 2003م و«مدخل إلى فلسفة المستقبل» 2021م وقلت إن الهيمنة والسيادة الغربية بقيادة الولايات المتحدة إلى زوال وأننا نتجه بالحتمية التاريخية إلى نشأة دورة حضارية جديدة متعددة الأقطاب وستكون فيما يبدو بقيادة الصين ودول شرق آسيا.

< إصلاح التعليم هو البوابة الواسعة لتحقيق التقدم والتنمية.. فما أهم المعوقات والتحديات نحو ذلك فى رأيك؟

<< بالفعل التعليم وإصلاحه هو المقوم الحضارى الأول لأى دولة تريد أن تتقدم ونحن كدولة وشعب نعرف ذلك جيدا لكننا للأسف لا نعمل بشكل كافٍ وجدى للوصول إلى تحقيقه. وقد كتبت كثيرًا حول هذا الموضوع وخاصة فى كتابى «فى فلسفة التعليم» وكذلك فى كتبى «فى فلسفة الثقافة» و«ثقافة التقدم وتحديث مصر» وأيضاً فى كتاب «مصر وإعادة البناء الحضارى» وكتاب «الحداثة والتحديث» وفى كل تلك المؤلفات وغيرها قلت إن نقطة البداية هى وضع استراتيجية مصرية خالصة يعدها الخبراء المصريون وليس غيرهم، بحيث تكون خطة طويلة الأجل تقوم على عدة محاور أولها القضاء المبرم على الأمية الأبجدية لنصبح مجتمعا خاليا منها وثانيا التركيز على التعليم التكنولوجى والمهنى نظريًا وعمليا، وثالثًا غرس قيم ثقافة التقدم فى أبناء المجتمع المصرى منذ نعومة أظفارهم ورابعًا ضرورة إعطاء الأولوية القصوى لإصلاح حال المعلمين فى كل مراحل التعليم من دور الحضانة إلى الجامعة، بحيث يتقاضى المعلمون أعلى راتب فى البلاد لكى يتقنوا أداء أدوارهم ويخرجون لنا أجيالاً جديدة مسلحة بالعلم والمعرفة وأيضاً بالقدوة الأخلاقية الصالحة. وليس جديدا القول بأن راتب المدرس فى دولة مثل الصين يعادل راتب رئيس الوزراء ولذلك تقدموا وتفوقوا فى كل المجالات! وإذا حدث ذلك فإن تحديث المناهج وتحديث طرق التدريس وبناء المدارس الكافية لاستيعاب الطلاب سيكون فى اعتقادى مسألة أكثر سهولة لأن لدينا من الكوادر العلمية المؤهلة ما يكفى لإحداث النقلة النوعية المأمولة إذا ما أعطيناهم الثقة ووفرنا لهم الإمكانيات المطلوبة! فالأهم فى نظرى هو بناء المعلم وتدريبه على استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية وضمان تفرغه لينعم بجودة الحياة وهو يؤدى مهمته القومية!

< فى ظل وجود التحديات الراهنة والمؤامرات والحروب التى يواجهها العالم العربى.. هل آن الأوان لقيام كيان عربى قوى؟

<< نعم بالطبع، فهذا الكيان العربى الوحدوى الذى يمكن أن يكون بديلاً للجامعة العربية أو تطويرًا جادًا لها أصبح ضرورة قومية، وقد ناديت بذلك كثيرًا وخاصة فى كتابى «الأورجانون العربى للمستقبل»، فكل مشكلاتنا فى الأمن القومى العربى بكل أشكاله إنما حلها ببساطة فى أن يمتلك الزعماء العرب شجاعة القرار وإخلاص النوايا وإعلاء المصلحة العليا للوطن على المصالح الشخصية لهؤلاء الزعماء والمصالح القطرية لبلادهم، فكل النزاعات والحروب التى يخوضها العرب سواء فيما بينهم أو مع جيرانهم أو مع الطامعين فى ثرواتهم ستتوقف فورًا بإعلان قيام «اتحاد بين الدول العربية» الذى يمكن أن يكون له دستوره الذى يتيح الرئاسة التداولية بين القادة العرب لهذا الاتحاد ويكون له مجلس وزراء واحد ينسق بين الوزارات المحلية المعنية من وزارات الدفاع حتى الوزارات الخدمية المختلفة، فهذا التنسيق العربى وذراعه العسكرى الموحد هو الضامن الوحيد لانتهاء الصراعات العربية العربية أولًا، وهو ثانيًا سيكون الرادع الحقيقى لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الدول والمصالح العربية، وقد فصلت الحديث عن ذلك فى كتابى السابق الإشارة والذى صدر منذ عام 2014م! لكن للأسف لا أحد يقرأ ولا أحد يهتم؛ فالمفكر والكاتب العربى فى وادٍ والقادة والزعماء والسياسيون العرب فى وادٍ آخر! والشعوب العربية هى التى تعانى الأمرين من الفرقة والتمزق العربى، لأنهم يعون أن أمتنا تملك كل المقومات المادية لتصبح كيانًا عالميًا محترمًا قادرًا على المنافسة الدولية والحضارية فى كل المجالات!

< ماذا حدث لأخلاقيات المصريين وما الذى أدى إلى ظهور هذا الكم من العبثية السلوكية والفوضى الأخلاقية وانفلات الأعصاب وخراب الذمم؟

<< يؤسفنى القول إننا نتهم الشعب المصرى بسوء الخلق ونحن فى واقع الحال المسؤلون عن ذلك! إن المصريين أيها السادة هم من علموا العالم القيم والأخلاق وهم يمثلون للعالم وللحضارة الإنسانية كلها «فجر الضمير»!

أما عن سؤالك ماذا حدث لهم ولماذا هذا الانحدار الأخلاقى والسلوكى، فالأسباب واضحة أولها الفقر الذى يعانى منه الآن غالبية الشعب المصرى، رغم أن مصر تملك كنوزًا من الثروات تكفى شعبها وتفيض، وإذا كنا نريد بحق معرفة أين الخلل فهو فى غياب التوزيع العادل للثروة وغياب العدالة وعدم تطبيق القانون بصرامة على الكبير قبل الصغير، هو فى غياب القدوة، وعدم احترام النظام. لقد كان إعجاز الحضارة المصرية القديمة -التى كانت الدولة الموحدة القوية فيها تستمر لألف عام أو يزيد- فى تطبيق دستور من كلمتين اثنتين، ليتنا الآن نتأملهما ونطبقهما جيدًا هما «العدالة والنظام» حيث كان المعبود الأعظم عند المصريين القدامى حكامًا ومحكومين هو «ماعت» إله العدالة والنظام! والمصرى إذا شعر اليوم بأنه يعيش فى ظل نظام دولة عادلة سيلتزم تلقائيًا وبحب كبير وانتماء لوطنه بالنظام ويكون أحرص الناس على تطبيق القانون.

إن الفساد الإدارى والسياسى والاقتصادى والإعلامى الذى استشرى فى مصر طوال العقود الماضية الذى أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق حسب الأهواء والمحسوبيات هو سبب الفوضى والفساد الأخلاقى للمصريين، لقد أصبحت الفهلوة والتعدى على حقوق الآخرين شطارة! وأصبح الخلق الطيب والالتزام بالقانون غباء وتخلفًا! وليس أدل على صحة ما أقول: انظروا للإنسان المصرى أيًا كانت طبقته وأيًا كانت وظيفته حينما ينتقل إلى بيئة ومجتمع آخر يحترمه ويعطيه حقوقه كيف يكون مثاليًا فى الالتزام بالقانون وكيف يحقق التفوق على جميع أقرانه وكيف يحقق نجاحات غير مسبوقة ويظهر إبداعه فى كل المجالات!

إن كل ما يحتاجه الإنسان المصرى هو أن يشعر فقط أنه يعيش فى بيئة نظيفة ومجتمع عادل يقدره وحريص على حقوقه دون وساطات أو تمييزات، مجتمع مبنى على تكافؤ الفرص بلا فساد ولا محسوبيات! فهل هذا ممكن! يا من تتهمون الإنسان المصرى بأقذع التهم وهو الإنسان البسيط الشريف المكافح الذى تكالبت عليه كل المحن وهو الصابر المثابر الذى تحمل كل الظروف والأزمات التى تفتعلونها له عن قصد أو بغير قصد فى كل الأزمنة وعلى مر العصور وهو يتعايش معها بكل صدر رحب قائلا: الحمد لله؟!

< البعض يرى أن الجامعة العربية وهى الكيان العربى الوحيد الذى يجمع العرب لم يعد قادرًا على الحركة السريعة أمام أى مشكلة تواجه دول أعضائها فما رأيك؟

<< نعم، بالفعل الجامعة العربية أصبحت كيانًا هزيلًا لا قيمة له فى ظل الميثاق الذى تعمل من خلاله. والحل إذا ما أردنا تفعيلا حقيقيا لعمل عربى مشترك هو استبدال هذا الكيان الهش بكيان أكثر قوة وفاعلية بإقامة ما أسميته من قبل بـ«اتحاد الدول العربية» على غرار اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

< ما توقعاتكم لمستقبل الإسلام السياسى فى العالم العربى انطلاقًا مما حدث فى السنوات العشر الأخيرة؟

<< لا شىء يدعى الإسلام السياسى، فالإسلام هو الإسلام وهو موجود فى القرآن والسنة النبوية المشرفة وهو علاقة بين الإنسان وربه ولا وصاية فيه من أحد على أحد وليس له كهنوت معين وليس فيه ما يسمى رجال دين! أن كل ما نحتاجه هو علماء دين واعين وفاهمين لقضايا ومستجدات العصر وقادرين على تقديم الفتاوى التى تتوافق مع العقل والمنطق والتى تسهل حياة الناس، فالإسلام دين العقل وهو دين يسر لا عسر فيه وهو علاقة مباشرة بين العبد وربه سواء فى العبادات أو فى كل مجالات الحياة؛ فعمل المؤمن الحق كله لله وليس فقط للكسب الدنيوى وجنى الفوائد والأرباح الشخصية! ولو أن كل مسلم عامل الآخرين كما يحب أن يعاملوه به لصلح حال المسلمين جميعًا ولأصبحنا خير أمة أخرجت للناس بحق وليس بالادعاء.

< كيف تقرأ مواقف الإسلاميين من القضية الفلسطينية لا سيما فى ظل تأرجح مواقفهم حاليًا إزاء توجه بعض الدول للتطبيع مع إسرائيل؟

<< إن المواقف التى اتخذتها الدول العربية والإسلامية فى عمومها من العدوان والحرب الإسرائيلية على غزة وفلسطين مواقف متخاذلة تدل على مدى الضعف والهوان وتكشف فى مجملها عن عدم شجاعة اتخاذ القرار الصواب فى الوقت المناسب؛ فلو أن أمريكا والغرب الأوروبى وذيلهما إسرائيل أحسوا للحظة بأن العالم العربى والإسلامى قادر على اتخاذ موقف موحد وصارم رافض لهذا الاحتلال الغاشم ولهذه الإبادة الجماعية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى لما كانت إسرائيل استمرت فى هذا التحدى السافر للقانون الدولى! ولما فعلت فى غزة ما فعلت مما سيظل وصمة عار فى جبين الإنسانية ككل وشهادة على أن بشر هذا الزمان الردىء وقفوا يتفرجون على شعب يباد بأطفاله ونسائه وشيوخه، وإنسانيته تنتهك كل لحظة وبيوته تهدم بهذا الشكل الهمجى ليعيش بالعراء فاقدًا كل مقومات الحياة!، إن الدول العربية والإسلامية للأسف الشديد تأثرت كالدول الأوروبية وأمريكا بالدعاية الكاذبة لإسرائيل وصدقت ادعاءاتها المفضوحة بالحق فى الدفاع عن النفس! وتناسوا من البداية أنها دولة استعمارية معادية محتلة ولا حق لها لا فى الأرض ولا فى الدفاع عن النفس! إن دولة عربية واحدة لم تتخذ قرارًا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وبوقف كل أشكال التطبيع والتعاون التجارى مع إسرائيل! إن المواقف المتخاذلة للدول العربية تركت مصر كالعادة تواجه وحدها كل التحديات وتتخذ من المواقف ما يحافظ على الحد الأدنى من الأمن القومى المصرى والعربى واقتصرت مواقفهم على الشجب والإدانة وإرسال بعض المعونات للفلسطينيين وهى لا تسمن ولا تغنى من جوع!

< ما تقييمك لقيام جنوب أفريقيا بإقامة دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟

<< لقد كتبت عن موقف دولة جنوب أفريقيا الإنسانى والشجاع فى حينه مقالاً بعنوان «لله در جنوب أفريقيا» فقد كان عند هذه الدولة الصديقة والعظيمة من الشجاعة ومن الإنسانية المجردة ما يجعلها تقف فى وجه البجاحة الإسرائيلية والأمريكية وتستغل توقيع إسرائيل على قانون محكمة العدل الدولية وتجمع الأدلة الصارخة التى تدينها بأقذع التهم وهى تهمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقى وتقدمها للمحكمة لتقف إسرائيل لأول مرة فى تاريخها الأسود الملطخ بدماء الفلسطينيين منذ أربعينيات القرن الماضى حتى الآن أمام المحكمة الدولية والعالم صاغرة لا تعرف كيف ترد على هذه التهم إلا بمزيد من الأكاذيب التى لم تعد خافية على أحد!. إنه الموقف الشجاع لدولة عظيمة نجحت فى التغلب على معاناتها التاريخية من التمييز العنصرى لتصبح هى المدافع الحقيقى عن حقوق الإنسان! ولتسقط بعد ذلك وإلى الأبد دعاوى الأوربيين والأمريكيين الزائفة بأنهم هم دعاة الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان بينما هم – فى واقع الحال- من أهدروها منذ عصورهم الاستعمارية البغيضة من اليونان ومقدونيا القديمة وإلى اليوم.

< أخيرا.. صدر لك مؤخرًا ثلاثة مؤلفات على درجة كبيرة من الأهمية وهى «تأملات فى الفلسفة والدين والحياة» و«الفكر العربى الحديث والمعاصر بين الأوهام الأربعة ورؤى التجديد والنهوض» و«مدخل جديد إلى الفلسفة النظرية والتطبيقية» ما أهم الخطوط التى أردت طرحها فى هذه المؤلفات؟

<< الفلاسفة فى عصرنا كما كانوا فى العصور السابقة يمثلون طليعة النخبة المبدعة القادرة على بلورة ثقافة العصر الذى يعيشونه وإدراك صورتها العامة مع كشف طبيعة التطور وآلياته ولا ينبغى أن نعجب لذلك، فالحقيقة أن الفلاسفة برؤاهم الفلسفية المتجددة هم من نقلوا البشر دومًا بأفكارهم ومناهجهم ومذاهبهم الفلسفية الجديدة من عصر إلى عصر ومن صورة معينة من التقدم إلى صورة أخرى أكثر تقدمًا، لقد كانت أفكار ورؤى بيكون وديكارت المنهجية والفلسفية هى التى نقلت الأوروبيين من عصور سميت بالعصور المظلمة إلى عصر الأنوار والتقدم الفلسفى والعلمى فى العصر الحديث، وهذا هو نفسه ما حدث فى الحضارة العربية الإسلامية، إذ لم تتبلور صورتها فى صنع التقدم للبشر أجمعين إلا على يد الفلاسفة والعلماء المسلمين الذين نجحوا فى التحول من عصر النقل عن الآخرين إلى عصر الإبداع الفلسفى والعلمى غير المسبوق بدافع من دينهم الإسلامى الذى حضهم على إبداع الجديد وارتياد كل مجالات وآفاقها. وهذا هو فحوى كتاب «تأملات فى الفلسفة والدين والحياة».أما الكتاب الثانى «الفكر العربى الحديث والمعاصر»، فنحن أمة نملك كل عناصر القوة البشرية والمادية ولكننا لم نملك بعد إرادة صنع التقدم بفعل عوائق وعوامل عديدة منها الداخلى ومنها الخارجى وأعتقد أننا وفى هذه اللحظة التاريخية بالذات أصبحنا نعى كل هذه المعوقات كما عرفنا بحق عن طريق تراكم الوعى وكثرة التجارب المريرة التى مررنا وما زلنا نمر بها ما ينبغى فعله حتى نتخلص مما نحن فيه من تخلف وتبعية ومن ثم فهل أقول إنه قد آن أوان امتلاك إرادة التخلص من هذه المعوقات والبدء من جديد، أما الكتاب الثالث «مدخل جديد إلى الفلسفة النظرية والتطبيقية» فما يقدمه هذا الكتاب للقارئ سيجعله قادرًا على إدراك الدور الحقيقى الذى لعبه الفلاسفة بالنسبة لعصور الحضارة المختلفة وسيجعله قادرًا على المشاركة فى عصره ومستفيدًا من الكيفية التى شارك بها هؤلاء الفلاسفة فى وضع الحلول لمشكلات عصورهم ولرسم خطط التقدم فى المستقبل لمعاصريهم وهذا جوهر ما نسميه بالفلسفة التطبيقية تلك الرؤية الفلسفية التى تمتلكها أنت وتستطيع تطبيقها على مشكلات حياتك سواء العملية أو العلمية وتنجح فى حل معضلاتها.