رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من جحيم الشوارع إلى نعيم البيوت.. حكايات المودة والرحمة فى دور المشردين

بوابة الوفد الإلكترونية

وجوه شكلّتها أتربة الشوارع.. ملابس رثة تملؤها الحشرات التى كانت تنهش أجسادهم على الأرصفة، شهور طويلة كانوا يبحثون فيها عن الونس والدفء الغائب فى منازل هجرتهم قبل أن يهجروها، أقصى أحلامهم كانت بعض أكواب من الماء تسقط على رؤوسهم وأجسادهم الضعيفة، ولكن أحوالهم تبدلت بين ليلة وضحاها، تغيرت معالم حياتهم بعد أن التقطتهم أيادى جمعية معانا لإنقاذ الإنسان، أنقذتهم من ظلمة التشرد وحياة الشارع ونقلتهم إلى نور الاستقرار والجو العائلى الدافئ.

«لن أعيش فى جلباب الضياع» قرار جرىء اتخذه عدد كبير ممن فرضت عليهم الظروف حياة الشارع، بعد أن تجرد ذووهم من الإنسانية وتركوهم وحيدين بلا سند، لكنهم وجدوا لهم بيتاً فى هذه الدار.

وبمرور الأيام وإعادة اكتشاف ذواتهم مرة أخرى ارتفع سقف أحلامهم بعد أن توفر لهم المأكل والملبس والمسكن واستعادة قلوبهم نبضات العشق والهوى، فخاض عدد منهم تجارب حب ورغبة فى تكوين أسرة مرة أخرى، وهو ما مثل تحدياً جديداً لـ«محمود وحيد» رئيس مجلس إدارة جمعية «معانا لإنقاذ إنسان» فقد كانت كل خططه قائمة على توفير المتطلبات الأساسية لنزلاء الدار والذى وجد نفسه مسئولا أيضاً عن توفير حياة أسرية لبعضهم.. فكيف هذا وهل هم مؤهلون لذلك؟.

جلس «محمود» داخل مكتبه يتدبر أمر تطورات حالات نزلاء الدار وخوضهم تجربة «العشق الممنوع» على حد وصفه، وقال: «لم لا؟» وبدأ فى تسخير الظروف لهؤلاء العشاق، ونجحت الفكرة بمساعدة أصحاب القلوب الرحيمة الذين يقدمون المساعدات للدار وتم تزويج 18 حالة من النزلاء.

«الوفد» التقت بعدد من الحالات، وكشفنا ما بداخل قلوبهم، وكيف تمكنوا من محاربة سنوات اليأس حتى بناء أسرة سعيدة؟.

الدار أنقذت «محمد» وأهلته للزواج بعد وفاة والدته

كانت حياته هادئة وسط أبنائه وزوجته.. يعود من عمله الشاق ليجد ابتسامتهم التى تعيد له الحياة من جديد.. وبمرور السنوات تبدلّت معالم حياته وكثرت المشاجرات بينه وبين زوجته بسبب ضغوط الحياة ومطالبها والتى كان يقف أمامها عاجزًا، حتى جاءت الصدمة الكبري!

«مراتى طردتنى من الشقة».. قالها محمد عمر سليمان، الشاب الثلاثينى، بحسرة شديدة.. وهو يتذكر سيناريو طرده للشارع قائلا: حاولت الاستنجاد بإخوتى من بطش زوجتى ومعاونة عائلتها لها.. ولكن كانت الصدمة كبيرة فى ردهم «ملناش دعوة حل مشكلاتك مع نفسك» وأغلقت جميع الأبواب فى وجهه.

وقفت والدته معه فى حربه ضد عائلة زوجته بعد تخلى إخوته عنه ولكنهما فشلا فى المواجهة، فقررت الأم الهرب مع ابنها المسكين خاصة بعد تعرضهما للضرب من قبل عائلة زوجته، ولكن الأم العجوز لم تحتمل ما حدث لها ولابنها فأصيبت بشلل تام ليجد الابن نفسه عاجزًا أمامها مردداً «أمى.. مالك يامى أنا ماليش غيرك.. متسبنيش».. ظل الشاب يردد هذه الكلمات كثيرًا، وتجمع أهالى منطقته بالإسكندرية وحاولوا مساعدته بتوصيله لوزارة التضامن والتى قامت بإحالتهما إلى دار معنا لإنقاذ إنسان فى القاهرة.

جاءت سيارة خاصة لنقل الأم وابنها إلى الدار.. حيث وضعت الأم المسكينة رأسها على صدر ابنها وأمسكت بيده قائلة: «متخفش يا بنى.. أنا لو موت ربنا معاك ودعيالك».

ما إن وصلت السيارة إلى مقر الدار بمنطقة الدقى بالجيزة حتى قالت له الأم «كده أنا اطمنت عليك يا بني» وتوفيت فى الحال وسط صرخات ابنها «أمى.. أمى أنا لوحدى يا أمي»، فإذ بيد المهندس محمود وحيد مؤسس الدار تربت على كتفه قائلا «فعلًا أمك دعيالك وهى اللى وصلتك لنا وهى اللى أنقذتك مش أنت اللى كنت بتنقذها».

جملة المهندس محمود كانت غريبة فلم يعرف محمد معناها إلا بعد مرور شهور طويلة، حينما شعر بأنه أصبح له عائلة جديدة تحيطه بالحب والدفء.

«تخيل ييجى عليك وقت كل أحلامك شوية مية ينزلوا عليك علشان يشيلوا التراب.. وملابس نضيفة تلاقى نفسك صاحب بيت».. يستكمل الشاب الثلاثينى حديثه وقال إنه قضى عامًا كاملا فى الشارع يحاول بين الحين والآخر التوسل لأقاربه ضمه لهم ولكن بدون جدوى، وكانت تشاركه فى ذلك والدته المسكينة التى كانت تحاول جاهدة استعطاف قلوب إخوته من والده عليه.

سقف طموحات الشاب ارتفع وسط عائلته الجديدة داخل دار معانا لإنقاذ إنسان، ليكتشف أن قلبه ما زال حيًا.. ذات يوم قرر الذهاب إلى مدير الدار وطرق الباب ودخل وقال: «أنا عايز أتجوز»، لم يتردد المدير فى الوقوف بجانبه ورشح له إحدى نزيلات الدار وتقابل معها وقال: «حسيت أنها حنينة والمهندس محمود عرف يختار صح».

يصمت الشاب قليلًا وعيناه تدمع ولم يتمالك أعصابه من البكاء وقال: «يوم فرحى افتكرت أمى لما قالت ليا أنا كده اطمنت عليك وصلتك لبر الأمان».

أحمد فتحى: «بقى ليا بيت وأسرة»

«مثل أى شاب كنت عايز أعيش فى هدوء وسلام وأكون أسرة وأرعاها».. يستهل أحمد فتحى، حديثه ساردًا حياته التى تبدلت معالمها من التشرد والضياع إلى الحياة بما تحمله من كلمة.

يتذكر «أحمد» المشكلات الأسرية التى كانت بين والده ووالدته وإخوته، وكانت سببًا فى هروبه إلى الشارع بحثًا عن حضن يحتويه هو ووالدته.

«ولاد الحلال دلونا على الدار ووصلونا بيهم».. جاءت لهم مندوبة من الدار تخبرهم بوجود سيارة تقلهم إلى مقرهم فى الهرم، وكان هذا اليوم هو أول طريق الحياة بالنسبة لهم.

قال الشاب إنه خلال الطريق كان يتساءل: ما مصير والدتي؟.. هل سأستطيع رعايتها؟.. وكيف لى أن أحميها وأنا بمفردي؟

لن يتوقع الشاب الثلاثينى أن تتبدل معالم حياته هو ووالدته بهذه الطريقة، قائلا: «عند وصولنا الدار استقبلونا كأننا أحد أفراد أسرتهم، ومن هنا بدأت أحس أنه بقى لى عائلة أخرى».

مع مرور الأيام داخل الدار ارتبط الشاب بطفلتين وأصبح هو مصدر الحنان لهما واقترب منهما يومًا بعد يوم.. واستكمل أحمد حديثه قائلا: «فور رؤيتى والدة الطفلتين شعرت بإحساس مختلف نحوها، لذلك توجهت إلى مدير الدار وطلبت يدها منه، وبالفعل تم الزواج برعايته لنكون عائلة صغيرة وسط العائلة الكبيرة التى نعيش فيها داخل الدار.

صلاح الدين عبدالحميد: «حب من أول نظرة»

كنت سعيداً فى حياتى مع زوجتى وأبنائى الأربعة.. ومع ارتفاع الأسعار وزيادة مطالبهم زادت المشكلات اليومية بيننا، فى البداية كانت زوجتى تلعب دورًا هاما فى تهدئة الأبناء وتحقيق التوافق النفسى بينهم حينما لا أستطيع شراء متطلباتهم، وكانت تعمل جاهدة على تهدئة البيت.

هكذا بدأ صلاح الدين عبدالحميد الرجل الخمسينى فى سرد حكايته مستطردا: بعد فترة توفيت زوجتى فلم أحتمل الحياة بدونها خاصة أن أبنائى انشغل كل منهم بحياته وتركونى وحيدا، فلم أحتمل مرارة الحياة بدونها وهربت إلى الشارع حيث قضيت فيه 60 شهرًا تعرضت خلالها لجميع أنواع الموبقات، وكانت البداية مع تعاطى المخدرات ولكنى توقفت عنها.

وأضاف: ذات يوم جاء له شاب قائلاً :«فيه جمعية بتوزع بطاطين تعالى خدلك واحدة» توجهت إلى السيارة التى توجد بها البطاطين وقرأت اللافتة المكتوبة عليها «دار معانا لإنقاذ إنسان»، وما إن بدأت الحديث مع أفراد الطاقم حتى شعرت بالارتياح وقلت لهم: «أنا عايز أعيش معاكم.. متتخلوش عنى وإلا هنتحر».

فور دخول الرجل الخمسينى الدار وجد وجوهاً مشرقة.. ابتسامة صافية.. دفء العائلة يغطى أرجاء المكان.. مقومات جعلته يشعر بالحياة من جديد، ومع مرور الشهور عمل عم صلاح سائقًا بالدار وأصبح له دخل خاص به.. والتقى فى أحد الأيام بسيدة فى أحد مقرات الدار، وقال «أول ما شوفتها حسيتها غلبانة وقلت دى اللى هتسعدنى فى الأيام اللى باقية لى فى الحياة» لذلك توجهت إلى مدير الدار طالبا منه تحديد موعد لأتحدث معها، وما إن مرت ثلاث دقائق من لقائنا حتى شعرت أنى اخترت الاختيار الصحيح واقتنعت بأن الحب من أول نظرة حقيقة.

عامان ونصف مدة زواج الرجل الخمسينى مع زوجته التى عاش معها أوقاتا سعيدة فى ظل حماية الدار داخل شقة مفروشة إيجار تدفع الدار قيمتها شهريًا.

مدير دار «معانا لإنقاذ إنسان»: «قائمة انتظار للزواج من فتيات الدار»

بينما كان يسير فى شارع رمسيس، وجد متسولًا ملقى على جانب الطريق، اقترب منه فوجد القاذورات تحاصره، بالحديث معه اكتشف أنه فى الخمسين من عمره، وغير قادر على النطق من كثرة الأمراض فقرر مساعدته، ومن هنا جاءت لى فكرة إنشاء دار معانا لإنقاذ إنسان، هكذا بدأ المهندس محمود وحيد عبدالحميد حديثه معنا حول بداية إنشاء الدار التى تقوم برعاية المشردين فى الشوارع ولم شملهم داخلها، وبدأ المشروع بأول مقر للدار فى منطقة الدقى بالجيزة، وبعد نجاح الفكرة خضعت الدار لإشراف وزارة التضامن الاجتماعى وتم إنشاء عدة أفرع لها.

تطرقنا للحديث معه عن قصص العشق والهوى داخل الدار، وقال المهندس محمود، إن سقف أحلامه فى البداية كان يقتصر على توفير المأكل والملبس والمأوى للمشردين فقط، وليس مساعدتهم فى بناء أسرة من جديد، ولكن ما حدث بعد ذلك جعلنا نسعى لتحقيق هذا الهدف ومساعدة النزلاء على تكوين أسر واستعادة حيواتهم الطبيعية.

وأضاف أن أول قصة حب داخل الدار وقعت بين «حمدي» و«منة» حينما جاءنى الشاب وقال لى إنه يرغب فى الارتباط بـ«منة»، وقتها شعرت بصدمة وانزعاج، فكيف لصاحب فكرة أقصى طموحها توفير اللقمة والحياة الكريمة لعدد من المشردين، يجد نفسه مسئولاً عن مساعدتهم على بناء أسرة من جديد وكيف يتم تأهيلهم نفسياً وماديًا؟

وحكى لنا المهندس محمود قصة حمدى قائلا: إنه عندما توفى والده وأثناء توزيع الميراث، تلاعب إخوته ليحرموه من نصيبه وتمكنوا بحيلة شيطانية من بيع المنزل ليجد نفسه فى الشارع، فأصيب بشلل من الصدمة وتم تحويله لدار معانا لإنقاذ إنسان لرعايته، وهنا بدأت حياته من جديد، وبمرور الأيام عاد الشاب حمدى لحياته مجددا، وأصبح سقف طموحاته يعلو شيئًا فشيئًا حتى وقع فى حب «منة» زميلته فى الدار والتى كانت حريصة على الظهور بكامل أناقتها رغم عجزها وعدم قدرتها على الحركة.

«لم لا؟.. نحاول أن نعلى بسقف أحلامنا».. يجلس المهندس محمود بمفرده داخل مكتبه يتدبر طلب «حمدي» ورغبته فى الزواج، حتى استطاع بالفعل توفير شقة ايجار له فى محيط منطقة الدار.

«بجد أنا هتجوز الليلة!.. معقول هيكون لى بيت؟. يعنى إخواتى اللى من لحمى ودمى ياخدوا بيتى وانتوا تجيبولى بيت؟».. جمل رنانة قالها حمدى للمهندس محمود قبل ساعات من ذهابه لعش الزوجية.

بعد نجاح فكرة زواج «حمدي» استطاع المهندس محمود أن يزوج 17 حالة أخرى، بل وصل الأمر أن يقبل شباباً من خارج الدار لطلب فتيات الدار، وقال المهندس محمود: «إحنا مش بنرمى بناتنا.. عندى قائمة انتظار من الشباب طالبين يتجوزوا.. وأنا بسأل عن المتقدمين للزواج منهن فى مناطقهم وأعمالهم.. وأضاف: العريس اللى بيتقدم مش بياخد بنت من الشارع.. كل اللى هنا ولاد محمود وحيد».