رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أثارت بقرة مريضة، لا يتجاوز عمرها الأربعة أشهر، جدلًا كبيرًا وتفاعلًا واسعًا بين الناس، بعد أن قال صاحبها إنها حامل فى تسعة أشهر، تلك البقرة التى أطلق عليها الأهالى «البقرة المبروكة»، وألبسوها مجموعة من السبح منتظرين المعجزات، وجعلت عددًا من وسائل الإعلام المعتبرة تنشر تفاصيل تلك القصة، وتذهب إلى التحقق من صحة هذا الحدث، أليست هذه معجزة؟!

نعم تلك البقرة معجزة ليس لكونها حاملًا من عدمه، بل لأنها لم تلعن بصوت عالٍ الجالسين فى كهوف الجهل ينتظرون بركتها للتغلب على مصائب المرض، تلك البقرة معجزة لأنها لم تصرخ فى وجوه كانت أقصى أمانيها أن تثبت لجان التحقيق صحة حملها فى مرحلة الفطام، تلك البقرة معجزة لكونها تحمَّلت همس الدراويش والمريدين تستغيث بها من مصائب الأسعار، وتطلب منها الحماية من هول الزلازل والأعاصير، وأن تكفينا والعالم شر كوارث الساعات والأيام القادمة بعد تنبؤات العالِم الهولندى «فرانك هوجربيتس»!

تلك «البقرة المبروكة» التى ظهرت منذ أيام فى المحمودية بمحافظة البحيرة هى امتداد طبيعى لتلك «البقرة المبروكة» التى ظهرت فى الرحمانية فى نفس المحافظة عام 2015، وادعى صاحبها أن لبن هذه البقرة البكر يشفى كثيرًا من الأمراض المزمنة!

تلك البقرة هى امتداد طبيعى لمن يهوى الجهل، ويتزود منه، ويستقوى به، ثم يوثق تلك اللحظات والضحكات والحكايات المحبوكة بصور ومشاهد تحمل تعبيرات مغلفة بالدهشة والاستغراب، ثم يختمها بهزة رأس ممزوجة بـ«سبحان الله»!

تلك البقرة وأخواتها هى امتداد طبيعى ليوم «الدوسة» التى كان يمر فيه «سيدنا» بحصانه فوق ظهور دراويشه ومريديه فى الموالد، تلك «الدوسة» التى وصفها «إدوارد وليم لاين» فى كتابه «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، مصر ما بين 1833 – 1835»، قائلًا: إن شيخ الدراويش السعدية السيد «محمد المنزلاوى» دخل بركة الأزبكية يسبقه موكب كبير من الدراويش، وتوقف هذا الموكب على بعد مسافة قصيرة من منزل الشيخ «البكرى»، وانطرح عدد كبير من الدراويش أرضًا جنبًا إلى جنب متلاصقين متراصين، ظهورهم مستقيمة وأرجلهم ممدودة وأذرعهم مضمومة تحت جباههم، وكانوا لا ينفكون يرددون كلمة «الله».

يستكمل «لاين» وصف تلك التجربة ويقول: ثم قام نحو اثنى عشر درويشًا وقد خلعوا أحذيتهم فى معظمهم، يمشون على ظهور رفاقهم الممددين، وكان بعضهم يضرب «الباز» وهو نوع من الطبلة الصغيرة، ويهتف باسم «الله» إلى أن بان الشيخ»، يقول «وليم لاين» إن الحصان تردد دقائق معدودة فى الدوس على ظهور الرجال الممددين المنطرحين أمامه، ولكنه قفز أخيراً عليهم بعد أن دفعوه إلى ذلك، وراح يرهو رهوًا دون خوف ظاهر فوق هؤلاء جميعًا يقوده شخصان، فكان أولهما يدوس أقدام الممددين، وثانيهما يمشى على رؤوسهم، عندها صرخ المتفرجون صرخة مطولة في صوت واحد: «الله».

تلك البقرة وأخواتها هى امتداد طبيعى لمشهد «الدوسة» التى نادى الشيخ محمد عبده بإبطالها، وبعد أن أوقفها الخديو توفيق، كتب مقالًا بجريدة الوقائع المصرية فى أبريل 1881 يستنكر فيه سماعه خبر التماس نفر ممن ألفوا تلك العادات، واستفزتهم مصالحهم الخصوصية، يطلبون من حضرة الحسيب النسيب السيد البكرى أن يبيح لهم إعادة «الدوسة» فى مولد الشيخ يونس المدفون بجهة باب النصر، محتجين بأنها من كرامات أحد الأولياء يقصدون الشيخ يونس، وأنه عُمل بها من زمن طويل يتناقلها الخلف عن السلف، فلا يصح بطلانها الآن اتباعًا لسنة الآباء والأجداد، وقام الشيخ محمد عبده بالرد على تلك الحجج وتفنيدها، ولم يكن الشيخ محمد عبده يعلم أنه سيأتى زمان ستظهر فيه «الدوسة» بدراويش جدد وأسياد متنوعين، ويتحول ذلك المشهد إلى مشاهد، ويصير هذا اليوم أيامًا.

فى النهاية.. تغيرت الملامح والوجوه والعادات، وتحولت بركة الأزبكية موطن «يوم الدوسة» إلى حديقة على الطراز الإيطالى، ثم أصبحت بعد مرور الأيام والسنوات على ما هى عليه الآن، وصرنا فى انتظار مشهد «البقرة المبروكة» فى الظهور من حين لآخر، ليعيد إلى الأذهان مشهد «دوسة مولانا» والدراويش الذين يتحملون ألم تلك «الدوسة» ومخاطرها، عندما يمر «حصان مولانا» وأقدام أتباعه على ظهورهم مهللين بصوت مرتفع: «الله»!

الخلاصة: إن بناء الفرد أولاً هو أهم مشروع قومى يمكن الاستثمار فيه ثم البناء عليه.

[email protected]