رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما تجد نفسك أمام أزمة مرَّ عليها قرن من الزمان، وبعد قراءة تفاصيل تلك القضية وأبعادها وطريقة تناولها، تكتشف أننا ما زلنا هناك غرقى وأسرى لذات الدوامة، فتنتقل من الدهشة إلى الذهول، ثم ترتدى ثوب الخجل كلما رأيت الدوران فى فلك القبعة والطربوش لا يزال مستمراً.. وإليكم تفاصيل الأزمة من البداية.

فى 1925 أقر مجلس الأمة التركى «قانون القبعة»، وهو قانون يمنع الرجال من ارتداء الطربوش والعمامة، ويجبرهم على ارتداء «البرنيطة»، وكان السجن عقوبة المخالفين، ووصل الأمر لإعدام البعض بسبب إصرارهم على رفض ارتداء هذه القبعات.

انتقلت عدوى هذا القانون إلينا، وظهرت فى مصر أزمة كبيرة وصلت ذروتها عام 1926، وانقسم الناس حول مسألة خلع الطربوش واستبداله بالقبعة، ودخل الكتَّاب والمفكرون فى سجالات عنيفة، وأخذت القضية رغم بساطتها أبعاداً سياسية واجتماعية ودينية، ووصل المساس بالطربوش إلى المساس بالروح القومية لمصر وهويتها، ليرى البعض أن لبس القبعة فتنة وبدعة وخيانة وطنية!

وأصبحنا أمام أزمة ثلاثية بين العمامة والقبعة والطربوش، بعد النزعة القوية التى أظهرها طلبة «دار العلوم» باستبدال الجبة والقفطان والعمامة بالسترة والبنطلون والطربوش، وصرنا أمام شاشة عرض كبيرة يظهر فيها من يؤيد ومن يعارض، ومن ألبسه الخوف ثياب التردد، فيقذف الكرة بعيداً عنه، ومن يمسك العصا من المنتصف ويؤثر السلامة، ومن يقف مشاهداً ينتظر «تتر» النهاية ليتعامل معها أياً كانت والسلام!

ولكى تشعر بمدى أهمية هذه القضية حينها، خطب صاحب العزة الأستاذ هلباوى بك أمام جمعية «الرابطة الشرقية» كما وصفته جريدة «السياسة الأسبوعية»، يقول: «بالرغم مما عندى من المشاغل خصوصاً فى الوقت الذى تضاعفت فيه بالاشتراك فى المزاحمات الانتخابية، رأيت أن أتخلى وقتاً ما لأحدثكم عن رأيى فى مسألة الأزياء التى أوشكت أن تدخل فى عداد المسائل الاجتماعية الكبرى»، ثم شرح الأستاذ «هلباوى» بك فى هذا الخطاب الطويل رأيه وما يراه.

يقول الكاتب الكبير جمال بدوى فى كتابه «المصور شاهد عيان على الحياة المصرية»: «إن مجلة «الهلال» فطنت إلى أن الجدال بين أنصار الطربوش وأنصار القبعة هو فى الحقيقة جدال بين عقليتين تتنازعان أقطار الشرق العربى فى ذلك الوقت»، فقامت «الهلال» باستطلاع رأى اثنين من كبار الكتَّاب، أحدهما يدافع عن الطربوش وهو الأستاذ مصطفى صادق الرافعى، وكان رأيه أن الطربوش لم يضِق، وإنما ضاقت العقول أو ضاقت الأخلاق، وأن هذه الأمة منكوبة بالتقليد والمقلدين، أما الرأى الآخر الذى يناضل عن القبعة فكان للكاتب الدكتور محمود عزمى، وكان دفاعه فى إطار إيمانه الشديد بكل مظاهر الحياة الأوروبية، وكان أول من ارتدى القبعة بعد قرار جمعية الأطباء أن الطربوش لباس غير صحى.

بعد عرض وجهتى النظر المؤيدة والمعارضة، ننتقل إلى جمعية الرابطة الشرقية، وهى جمعية هدفها التنوير والتقارب بين الأمم الشرقية، وكان من المنتظر أن تصدر قراراً حاسماً فى هذا الجدل، لكنها آثرت التهرب من القرار حتى لا تتورط فى الانحياز إلى القبعة ضد العمة والطربوش، فتُتهم بالخروج عن الشريعة، فأحالت الموضوع إلى جمعية الأطباء..«يعنى رمت الكرة بعيداً عنها بطريقة شيك»!

المهم.. أن الجمعية الطبية اجتمعت بعد هذه الإحالة، وقالت إن الطربوش لباس غير صالح، ويجب أن يحل محله لباس آخر يقى البصر من أشعة الشمس ويقى مؤخر الرأس ضربتها، ثم واصلت وصف هذا الغطاء وكيف يكون، دون أن تشير صراحة إلى القبعة، واللافت للانتباه هنا أن جمعية الأطباء أصدرت هذا القرار وأعضاؤها يرتدون الطربوش!.. «مبدأ امسك العصاية من النص وخليك حويط».

الغريب أنه وسط قضايا كبرى مثل معركة الاستقلال ومحاربة الإنجليز فى تلك الفترة، تأخذ مسألة القبعة والطربوش هذه الأبعاد والأحجام والخلافات والاختلافات والتناحر وتبادل الاتهامات بالخيانة، والأغرب أننا بعد مرور مائة عام نفعل الشىء ذاته، فنجد أنفسنا وسط قضايا مصيرية وأحداث كبرى، نتجادل ونتناحر فى قضايا فرعية ودون الهامشية، ثم نعطيها أبعاداً وأحجاماً لا تليق بها أو بنا.

فى النهاية.. إذا أردنا الخروج من الدائرة السابقة، فعلينا أن نعرف أولاً من نحن، وأين نقف الآن، وماذا نريد، والأهم كيف نفعل ذلك كله؟!

[email protected]