رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كان الخوف فى طفولتنا رقيقًا مثل أحلامنا، فأقصى ما كنا نخاف منه عصا سيدنا وفلكته، وما ينتظرنا من العقاب صبيحة يوم غد إذا ساقت الأقدار سيدنا إلى المكان الذى نلعب فيه، فيلمح بطرف عينه تلك الأجسام الضئيلة، وهذه الأقدام الحافية تتسابق وتتصارع خلف كُرة أوشكت معالمها أن تندثر وسط الغبار، ثم يأتينا فجأة صوت المنادى كصافرات إنذار الكوارث: «اجرى.. سيدنا هيشوفنا!»، لتغير الأجساد وجهتها والأقدام أهدافها، ويتحول مشهد اللعب إلى مشهد فرار من هجوم مفاجئ بالأسلحة الثقيلة، فيبحث كل منا عن ساتر يواريه، ومخبأ يحميه، عسى أن يسقط  اسمه من كشوف سيدنا وعقاب فلكته غدًا.

كنا نخاف من تلك الحكايات التى تمر على أسماعنا بأن فلانًا ابن فلان قد مات غرقًا أو حرقًا، وأنه يظهر ليلًا فى تلك البقعة التى خرجت فيها روحه إلى بارئها، متجسدًا فى صورة قط أسود تخرج من عينيه نار، لتصبح تلك البقع من الأماكن المحرمة، وتصير حدودًا لا يستطيع الاقتراب منها إلا الشجعان، ثم نستمع بإنصات إلى حكايات من تشجع وقرر الذهاب إلى هناك، لينسج لنا بعد هذه الرحلة قصصًا تزيد مخاوفنا وتؤكدها!

كنا نخاف من هتك أسرار شقاوتنا وافتضاح أمرها، تلك الأفعال التى لم تتجاوز محاولات تدخين سيجارة خلسة بعيدًا عن الأنظار، سيجارة قد جمعناها من بقايا أخواتها المتناثرة فى الطرقات هنا وهناك، أو قمنا بشراء عدد منها فى الأعياد لا يتجاوز عدد من قرر الانحراف والإقبال والاشتراك فى تلك الجريمة.. ليتم كشف أمرنا بعد النظرة الأولى من أهالينا، وننال ما نستحق من العقاب. 

ثم كبرنا وكبر الخوف معنا عندما رأينا أطفالنا يتحدثون عن «الكراش والإكس»، ويتحدثون بلهجات غريبة على أسماعنا، ويستخدمون ألفاظًا أغرب لا تستوعبها عقولنا، ويسردون قصص الحب الملتهبة بين تلاميذ لم تتجاوز أعمارهم السنوات الأولى من التعليم الأساسي، ويشتعل الخوف فى قلوبنا أكثر فأكثر، عندما نرى فى أعين تلك البراءة ضحكات من السخرية المعلنة، والصرخات المبطنة بالصمت تقول لنا: انظر حولك وتفحص جيدًا، على من تسلط أضواء الكاميرات وتنهال الأموال، انظر حولك وتفحص جيدًا، فقد تغيرت المعانى وتبدلت الأحوال وتحولت المفاهيم، وأصبح العلم فى «الراس مش فى الكراس».. حابب تتأكد خدلك جولة على «انستجرام» و«التيك توك»  يابابا!

كبرنا وازداد الخوف فى قلوبنا ونحن نشاهد مقاطع فيديو لشاب يطعن فتاة بسكين فى وضح النهار لرفضها الزواج منه أو الارتباط به، طعنة وراء أخرى، لتسقط تلك المسكينة غارقة فى دمائها تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام الناس، ثم يزداد الخوف عندما ترى أن هذه الحادثة أصبحت مسلسلًا يتكرر بالسيناريو نفسه مع تغير الأبطال وأماكن التصوير.  

كبرنا وكبر الخوف معنا كلما رأينا حادثة هنا أو حريقًا هناك، دون أن تجد له تفسيرًا يدخل فى نطاق العقل والمنطق، ودون أن تجد إجابة عن السؤال: كيف يحدث هذا، ولماذا يحدث، ومن المسئول عن ذلك كله؟!

فى طفولتنا كنا نسير بين مخاوفنا وأحلامنا فى شوارع من السكينة والأمان، لا نخاف جوعًا ولا نخشى عطشًا، ولا نحمل همَّ رزق، وعندما كبرنا أدركنا ما كان يحمله الآباء عنا، فتبدلت الأحلام وتغيرت الهموم، وبقيت كراكيب الخوف تلاحقنا وتكبر فى نفوسنا، وبقيت أقصى أمانينا أن نهرب من عقاب سيدنا وفلكته!  

>> يقول نيلسون مانديلا :

تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن القدرة على التغلب عليه.

[email protected]