رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

الدنيا لها نصيب من اسمها، غدارة، خادعة، فانية، لا تساوى عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تساوى ذلك ما سقا الكافر منها شربه ماء. ورغم اعترافنا بهذه الحقائق، ومعرفتنا بتلك المسلمات، إلا أن جلنا يسير فى ركابها، ويطلب ملذاتها الزائلة، ويحرص على مباهجها الزائفة، يبنى القصور فيسكنها غيره، ويكتنز الأموال فسيتمتع بها ورثته، ويبطش ويظلم ويعيث فيها فسادا، حتى إذا قامت قيامته ترك كل شيء وذهب إلى ربه ليس له إلا عمله الصالح إن وجد، وصدقته الجارية إن قدمها، وولد صالح إن أحسن تربيته. 

ورغم أن الموت هو الحقيقة المطلقة فى الكون، والنهاية الطبيعية لكل حى، وأسئلة القبر معروفة سلفا للجميع، نجد أن معظمنا غير مستعد، كأنه غير مصدق لما يراه يوميا، وربما ثلاث أو أربع مرات فى اليوم عندما يشيع ميتًا إلى قبره، ولا يدرك أنه داخل هذا القبر إن آجلا أو عاجلا.

عندما تتلقى نبأ رحيل عزيز لديك تنسى كل كلام قلته للناس أو رددته بينك وبين نفسك عن حقيقة الحياة وحتمية الموت والتحلى بالصبر ورباطة الجأش، يتوقف عقلك عاجزا عن استيعاب الموقف، وتحتاج إلى من يسمعك ما كنت تقوله من قبل فى مثل هذه المواقف.

قبل عام -وفى مثل هذا اليوم- ماتت أختى الكبرى ووالدتى الثانية الحاجة ملاك فى إحدى قرى محافظة الدقهلية، وكانت مثل أخواتنا وأمهاتنا الفضليات تحمل صفات السيدة المصرية التى تخاف ربها وترعى بيتها فى رضا وسعادة، تعطى بلا حدود ولا انتظار المقابل، تجد سعادتها فى وجوه الآخرين، هذا ما كنت أعرفه، ربما لبعد المسافة المكانية بيننا، وقصر مرات الالتقاء.

استجمعت أشلائى وذهبت لوداعها، وأنا فى طريقى من القاهرة إلى قرية «نجير» حيث مكان الوداع الأخير، لم أستطع مقاومة دموعى التى لم تبارح عينى، وهانت علىّ ألامى الجسدية التى هاجمتنى قبلها بأسبوع واشتدت متضامنة مع الأحزان لتحقق مقولة «المصائب لا تأتى فرادى». 

وصلت إلى القرية قبل صلاة العصر بحوالى ساعة، فإذا بالجثمان المسجى فى ساحة المسجد الذى امتلأ عن آخره بالمودعين من أجيال مختلفة، اتفقوا جميعا على صلاح هذه السيدة وإخلاصها فى عملها حيث عملت سنوات طوالًا كمعلمة ومديرة متفانية فى عملها، لا تخشى فى الله لومة لائم، حريصة على إتمام رسالتها ومهنتها التى امتهنها الأنبياء من قبلها، وبدأت السيرة الطيبة تسيطر على كلام المتحدثين وأولهم شيخ المسجد الذى ألقى كلمة عدد فيها مناقبها، وأشار إلى أنه سمع ذلك من أبنائه الذين تربوا على يديها.

ثم سمعت بأذنى -خلال مراسم الدفن- من يعرف نفسه بأنه زميلها، يشهد الله أمام الجميع أنه لم يصادف إخلاصا ولا نزاهة مثل ما شاهد فى هذه السيدة، وأخذ يعدد الكثير من السجايا الحميدة لدرجة أن السكينة عمت على الجميع، وبدت تباشير الفرح والسرور على وجوه ذويها، وكيف لا وهى نهاية يتمناها أى إنسان، فالناس هم شهداء الله فى الأرض، فعندما أثنى الصحابة خيرا على جنازة مرت عليهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: وجبت، وعندما أثنوا عليها شرا قال: وجبت، ثم توالت القصص التى ما كانت لتظهر لولا رحيلها، فهؤلاء نسوة يَأْتِينَ إلى منزلها لأخذ ما عودتهم عليه -والذى لا يعرفه أحد- فيفاجأن بموتها، وهذه جمعيات خيرية تفتقد ما كان يصل إليها من أموال، بالإضافة إلى المساجد وأعمال الخير الأخرى التى أعلن القائمون عليها أنها كانت تسعى دائما إلى المشاركة فيها وتطلب منهم ذلك.

وتأتى الذكرى ليس فقط لتجدد الأحزان بل لتشعرنا بحقيقة الحياة التى نعيشها ولا نكاد نفهمها، ونعلم عين اليقين أنها ساعة فلنعشها فى طاعة لنسعد فى الدارين.

رحم الله الحاجة ملاك وأسكنها فسيح جناته وتقبلها فى الصالحين.

[email protected]