رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

نواصل حكاية الراهبة البلجيكية إيمانويل التى كانت تنتمى لعائلة ثرية وتتمتع بالجمال الصارخ فى شبابها، لكنها أدركت أن الجمال والمال سيختفيان، الأول مع الشيخوخة والثانى بالموت؛ لذلك عاشت كالفقراء لأنها عرفت قيمة الحياة، فكان غذاؤها الخبز والفول مثل طعام الفقراء فى حى الزبالين، تجردت من كل شيء من أجلهم، وتسببت محبتها فى رفع شأن الكثيرين، وقفت فى وجه كل الدول المحبة للحروب، فى البداية اعتقد البعض أنها جاسوسة وتعيش فى مصر من أجل نقل المعلومات للدول الأجنبية، لكن تبين بعد ذلك أنها تخدم الفقراء فقط.

''شخصية مثابرة ولديها القدرة على تحقيق أهدافها، صاحبة روح مرحة، فهى تتمتع بخفة الدم المصرية، كانت لا تتوانى فى أن تترك وسيلة المواصلات التى تستقلها، لتقف بجوار شرطى المرور فى الشارع المزدحم، لتساعد فى تنظيم حركة المرور مستخدمة لكنتها المميزة قائلة ''يالا كله تمام''.

كثيرا ما كان الصحفيون يسألونها عن الإسلام والمسلمين، كانت تجيب باستمرار: «المسلم ليس بطبيعته عنيفًا أو متعصبًا، لقد عرفت المئات منهم عن قرب». عرفت بمواقفها الشجاعة التى لا تميز فيها بين الأديان، ومنها عدم تأييدها لمنع ارتداء الحجاب فى المدارس، مؤكدة على ضرورة احترام تفكير الآخرين.

عندما أجبرتها الرهبانية التى تنتمى إليها بالعودة إلى فرنسا للتقاعد لم تكن تريد ترك «إخواتها وأهلها» فى مصر كما كانت تطلق عليهم.. بل كررت أكثر من مرة رغبتها فى أنها تفضل «الموت مع أهلها المصريين من جامعى القمامة»، إلا أن التقاعد لم يعنِ لها المكوث فى البيت، بل بداية لكى تصبح ناشطة إعلامية تدعو لمقاومة الفقر والنضال من أجل المشردين والمهاجرين غير الشرعيين.. أخذت تجول العالم وتظهر فى وسائل الإعلام لجمع الأموال لصالح الفقراء، نحجت بالفعل فى مهمتها بفضل إيمانها القوى بأهمية رسالتها، وكذلك حسها الفكاهى وصراحتها المعهودة التى حباها بهما الله، والتى كانت تجذب بهما الجمهور للتعاطف مع الفقراء ومساعدتهم. 

ويكمن السر الحقيقى فى نجاح رسالتها التى لم تتوقف لحظة حتى نهاية عمرها عن تحقيقها بكل ما أوتيت من إصرار، فى إيمانها وقناعتها أنه لا وقت للراحة فى حياتها.. إذ إن «الراحة الحقيقية ستجدها فى الجنة، بالقرب من خالقها».

ويتذكر شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، فى عام2013 أنه كان طالبا فى المرحلة الثانوية عندما قدمت إيمانويل للعيش معهم بالحى، ويحكى أن من أفضل ما قدمته للمنطقة إدخال الكهرباء؛ حيث ذهبت فى الثمانينيات لوزير الكهرباء آنذاك ماهر أباظة، الذى أوضح لها صعوبة توصيل الكهرباء نظرا للتكلفة العالية التى سيتطلبها الأمر، لكن إيمانويل لم تيأس، وتكفلت بدفع 55 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم فى ذلك الوقت، لإدخال الكهرباء للمنطقة، ويظل كل بيت حتى الآن يدين بالفضل لها فى ذلك، وقد حصلت على الجنسية المصرية عام 1991، منحها لها  الرئيس حسنى مبارك نظرا لجهودها فى مصر، بعد أن طلبت هى ذلك من زوجته سوزان مبارك.

توفيت «إيمانويل» فى 20 أكتوبر 2008 فى كاليان بفرنسا أثناء نومها لأسباب طبيعية عن عمر يناهز التاسعة والتسعين عامًا.

تصدر خبر رحيلها الصحف الفرنسية والبلجيكية، التى ذكرت باستفاضة الدور الإنسانى الذى لعبته الأخت إيمانويل فى مصر، والتى كانت تردد فى كل حواراتها الإعلامية الكلمة العربية التى تعلمتها «ياللا»، دافعة بحماس الجميع إلى المضى للأمام فى خدمة الفقراء والأكثر عوزا، على الرغم من نشأتها فى كنف أسرة ثرية. شاركت سوزان مبارك فى القداس الذى أقيم  بكنيسة نوتردام بباريس على روحها، كما شارك فى القداس أيضا الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى وزوجته كارلا برونى والرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك وزوجته برناديت، والعديد من الشخصيات الأخرى، ضمن ألفى شخص حضروا القداس الذى تمت خلاله تلاوة التراتيل على روحها باللغتين الفرنسية والعربية.

حفظ الله مصر وأهلها.

[email protected]