رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب عن:

أكذوبة الملكة كليوباترا.. النتفليكسية!

مشهد في فيلم الملكة
مشهد في فيلم الملكة كليوباترا

اللعب على قضية «الأفروسنتريك» بين التفاصيل

 

هبطت الملكة كليوباترا على نتفليكس، لتدخلنا بالفعل فى قلب الكثير من الجدل. المشهد الافتتاحى يبدأ بثعبان ينزلق على أرض رملية، ثم نرى نسرا. امرأة تمشى نحو الكاميرا.

 وتردد الراوية جادا بينكيت سميث «كليوباترا، الملكة الأفريقية. أم لأمة الملايين. إلهة مصرية حية تتنفس، تخشى وتعشق».

الملكة كليوباترا هى الدفعة الثانية من سلسلة الملكات الأفريقية لجادا بينكيت سميث، حيث تستمر الممثلة فى سرد الفيلم الوثائقى وهى تنظر إلى حياة الحاكمة المصرية وعهدها من 51 إلى 30 قبل الميلاد؛ من خلال هدف سياسى تحاول إيصاله من تلك السلسلة مشبوهة الهوية.

 

الأزمة لا تكمن فى كون اختيار الممثلة السوداء ثنائية العرق أديل جيمس لتكون الملكة؛ ولكن تلك التفصيلة أراد صناع الفيلم تصديرها واللعب عليها لهدف عنصرى دفين، داخل نفوسهم؛ وحتى تتشعب القضية، ويغيب الهدف الأساسى، وهو اللعب على قضية «الأفروسنتريك» بين التفاصيل.

المسلسل الوثائقى الجديد على Netflix l عن ملكة مصر الشهيرة تركز فيه المخرجتين تينا جرافى وفيكتوريا أديولا توماس على قصة قصة كليوباترا من منظور سياسى؛ وغلفا تلك القضية بتتبع صعود الملكة كليوباترا إلى الحكم، وكيف تمكنت من البقاء قوية حتى النهاية.

بوستر فيلم الملكة كليوباترا

بداية اللعب السياسى الخطير يبدأ مع أول مشهد من الفيلم الوثائقى المكون من أربع حلقات، مع الأستاذة الأمريكية شيلى هايلى، التى تتذكر ما أخبرتها به جدتها عن حقيقة كليوباترا، المخالفة لما تتعلمه من الكتب المدرسية. حيث كانت جدتها متأكدة من أن كليوباترا كانت سوداء، وطلبت على وجه التحديد من شيلى ألا تصدق ما يتم تدريسه لها عن هذه الملكة الشهيرة من الحقبة الماضية. قائلة: «بغض النظر عما علموك إياه فى المدرسة عن كليوباترا، من فضلك تذكرى أنها كانت سوداء. السؤال الآن من أى مصدر أتت تلك الجدة بهذا اليقين؛ الذى يحاولون تمريره إلى المشاهد بين الحين والآخر من خلال أحدث الفيلم؛ وكأن حياة كليوباترا تتلخص فقط فى انتمائها العرقى، وهذا يؤكد نظرية المؤامرة من أن هذا العمل له هدف سياسى واضح داعم «الأفروسنتريك».

لا يفوت نتفليكس إيجاد شخصية شاذة

ويستمر الفيلم الوثائقى فى المناقشة حول عرق الملكة المغرية، يسارع الفيلم الوثائقى فى إثارة سلالة هذه الملكة، التى قيل إن لها جذوراً مقدونية، وهو ما يقودنا إلى الهدف من هذه السلسلة. واختيار المخرجتين الممثلة البريطانية الناطقة بالإنجليزية أديل جيمس لتلعب الدور.

تأخذنا تينا وفيكتوريا عبر حياة كليوباترا، التى ولدت فى سلالة البطالمة الملكية، التى حكمت مصر لبعض الوقت، واعتبرت أيضًا سلة خبز الإمبراطورية الرومانية. سوف تزرع مصر الغذاء، وستجنى الإمبراطورية الرومانية بأكملها فوائده. نشأت كليوباترا مع كل امتيازات الأميرة، وهذا يشمل التعليم أيضًا. كانت محاطة بالمعرفة على شكل مكتبة الإسكندرية الكبيرة، حيث علمت نفسها اللغة المصرية أيضًا. مع وفاة والدها، فرعون بطليموس الثانى عشر، وكونها الابنة الكبرى، كان عليها هى وشقيقها بطليموس الثالث عشر أن يتزوجا حسب إرادة والدها ويحكمان الأسرة الحاكمة كوصيين مشاركين. وبالطبع لا يفوت نتفليكس إيجاد شخصية شاذة، فهذا هدف لا يستهان به لنتفليكس، ونرى هذا من خلال الإشارة إلى المخصى بوثينوس مستشار بطليموس الثالث عشر، الذى أراد له السلطة المطلقة، ودفع فرعون إلى العمل ضد أخته. الخصى بوثينوس (مايكل جريكو)، الذى قام بتربية بطليموس الثالث عشر، سرعان ما اكتسب نفوذا كبيرا بينما كانت كليوباترا تتجول فى مصر السفلى محاولة أن تكون «ملكة الشعب»، كان بوثينوس وبطليموس يخططان لقتلها أو نفيها.

شقيقة كليوباترا الصغرى أرسينوى (أنديرا كريشلو) غير سعيدة أيضا لأنها لا تملك سلطة، وعندما تمنح الأرض للحكم، تمنح قبرص. كانت كليوباترا أذكى وتمكنت من الهروب من مصر، بعيدًا عن جميع أشقائها الذين أرادوا موتها. هذا هو واحد من العديد من التحديات التى تواجه الفرعونة كليوباترا فى رحلتها الطويلة لتصبح الملكة كليوباترا. ثم يدخلنا الفيلم فى مناوراتها السياسية مع القائد الرومانى يوليوس قيصر، وتلاها قائد الجيش الرومانى مارك أنتونى، مشيرا إلى التحركات السياسية التى قامت بها الملكة حسب السجلات التاريخية.

الفيلم يشير إلى استغلال جمالها وذكائها، مما جعلها ذات تأثير سياسى قوى على منطقة شمال إفريقيا. لقد كانت شخصًا مؤثرًا يقترب من الناس ليدعموها إلى جانب الحليف الذى كانت تبحث عنه ليدعمها أيضًا. 

مشهد في فيلم الملكة كليوباترا

من أجل استعادة عرشها، تزور كليوباترا سرا يوليوس قيصر (جون بارتريدج) بعد أن قتل بطليموس الثالث عشر ورجاله صهره بومبى (كان قيصر يطارد بومبى عبر مصر بعد أن قاتله فى روما). إنها لا تقدم تحالفا فحسب، بل إن الاثنين لهما علاقة غرامية، مما أدى إلى حمل كليوباترا، بعد فترة وجيزة من توليها زمام الأمور، توفى شقيقها، وتم القبض على أرسينوى.. علاقتها مع يوليوس قيصر، وتلاها انطباع عنها بأنه يعمل من أجل تحسين مصر، هو شىء يمكن أن يقال إنه تصريح لقائد يعرف ما هو الشىء الصحيح الذى يجب فعله فى أى وقت.

إننا فى الحقيقة أمام عمل أخرجتها تينا وفيكتوريا بطريقة تشبه قراءة كتاب مدرسى. الكلمات والرواية والمعلومات التى أعطيت عن الملكة وحملاتها السياسية والعسكرية لم تكن استثنائية،وبالتالى تكمن المشكلة الفنية فى كتابة السيناريو. من المفترض أن يروى السيناريو قصة الملكة الذكية بشكل أكثر جاذبية، لكن السيناريو تقليدى وشبه خطابى. نحن أمام حالة مزج من مشاهد تمثيلية وخبراء يتحدثون عن كيف أصبحت كليوباترا ملكة. ووجود مقابلة الدكتور إسلام عيسى، الذى كتب كتابا عن الإسكندرية. كانت ليتحدث عن كيف يمكن للثقافات المختلفة أن تصور كليوباترا على أنها انعكاسات لأنفسهم.

ثمة مشاهد فى الفيلم الوثائقى لا أعرف كيف تم تقديمها بهذا الشكل البعيد عن منطق التكوينة الشخصية لكليوباترا؛ فعندما تدرك الملكة وجود حرب مستعرة ضد مملكتها، وباعتبارها ملكة، يجب أن تتصدى لعدو يحاول هدم أبواب المدينة بكل حسم. لكن عندما تسمع الانفجار الأول، كان رد فعل كليوباترا الأول، «ما هذا الصوت؟»، ثم هربت لتخوض حربًا أهلية مع إخوتها، لتجعل المشاهد يطرح الأسئلة عن تفاصيل الهجوم القادم من القوات الرومانية، ويترك بدون أن يجد إجابة. المثير ليس فقط للاستغراب ولكن للريبة أن إحدى الأساتذة فى النهاية تتحدث عن كيف بدأت العمل على الملكة كليوباترا من أجل بحثها. تدعى الأستاذة المذكورة أن امرأة شرقية قديمة غامضة جاءت إليها فى حلمها لتخبرها أن قصتها يجب أن تُروى. هذا الحلم هو الذى جعلها تبحث فى جذور كليوباترا.. (حقا إنها لرؤية صالحة). كم يبدو هذا التعليل سخيفا!. لم يعطنا هذا العمل المشبوه معلومات غير معروفة عن هذه الشخصية التاريخية، كل شىء نعلمه من قبل.

إننا أمام كليوباترا، الشخصية السياسية والمفكرة التى تم التقليل من شأنها. كانت مجرد أداة إغواء، وتحقق احلامها السياسية بهذا الأسلوب. إنها دراما وثائقية مدجنة، تحاول تمرير هدف سياسى؛ من خلال رؤية مهجنة ولا يوجد توازن جيد بين العناصر.

تسلط السلسلة الوثائقية الضوء على طبيعة السياسة التى كانت موجودة فى ذلك الوقت وكيف تختلف عن فكرة الأخلاق الحديثة. حقيقة أن كليوباترا كانت مسؤولة عن وفاة إخوتها بطليموس الرابع عشر وارسينوى الرابع، لا يمكن تصنيفها على أنها خير أو شر؛ بل كان قرارًا مدفوعًا بالحفاظ على الذات.

العمل يركز على أننا لا يمكننا قياس أفعال كليوباترا من خلال حكمنا الحديث. لإنشاء صورة براقة للملكة كليوباترا، جعل أختها الشريرة ترتدى ملابس داكنة، وأظهرها على أنها الأخت الشريرة التى لا تستحق أن يشفق عليها. لذلك كانت الحوارات غير فعالة وبعيدة عن الواقع. وهناك ارتباك عام حول الأسلوب الذى كانوا يهدفون إليه.

العمل كسلسلة وثائقية، يفتقر إلى الجاذبية والدقة الواقعية فى هذه السيرة الذاتية المكونة من أربعة أجزاء. إننا أمام تزييف متعمَّد وطمس الهوية الفرعونية ودعم فاضح ورخيص لحركة المركزية الأفريقية (Afrocentrism)، التى تحاول أن تنسب الحضارة المصرية القديمة إلى أهل الجنوب، بل وتروِّج لأن الفراعنة كانوا أفارقة (جنوبيين) فى الأصل، قبل أن يطردهم الغزاة عن الأراضى المصرية.