رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من الظواهر المؤسفة الآخذة فى الشيوع والانتشار ظاهرة «استعراض القوة» فى مجتمعنا، وعلى عكس ما نعتقد فالأمر متزايد على مستوى قرى الريف المصرى فى تراجع واضح لقيم مجتمع الريف المتعارف عليها. حيث يميل المجتمع الآن إلى استعراض القوة والتهديد بها فى حالات الخلاف، وهى التى تأخذ أشكال الترويع والتهديد باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد باستخدام السلاح بقصد ترويع الآخرين؛ كأن يهدد هذا جاره بعصبة أبنائه، أو يروع ذاك غيره باستعراض امتلاك الأسلحة نارية كانت أو بيضاء، مثل «الشوم» أو الفئوس «البلطة»، والحيوانات كالكلاب الشرسة، وغيرها من وسائل الترويع والتهديد. ومرجع ذلك، أولًا أنه لا تزال تسيطر بعض المدركات السلبية تجاه دور الأمن على عقول البعض، رغم الجهود الحثيثة التى تبذلها وزارة الداخلية فى فرض الأمن فى كل المواقع ولا تتوانى فى التدخل والاستجابة حتى دون الإبلاغ فى تفعيل واضح لآليات الرصد والمتابعة على مستوى الوزارة. وثانى الأسباب فى لجوء البعض لاستعراض القوة يتصل بمدركات قد تكون زائفة تتعلق بالمكانة والهيبة والكرامة. أما ثالث تلك الأسباب فيتعلق بتفضيل هؤلاء فى النهاية للقضاء العرفى المنتشر فى مجتمعاتنا الريفية على مستوى الصعيد وبحرى، حيث القناعة بأن الأحكام العرْفيَّة أكثر نفاذاً وردْعاً مِن اللُّجوء لِلطُّرق والْوسائل القانونيَّة المتعارف عليْهَا. وهنا مربط الفرس وبيت القصيد.

فى مؤلفه المهم «سيسيولوجيا العنف والإرهاب» يشير عالم الاجتماع العراقى إبراهيم الحيدرى فى تفسيره لتلك الظاهرة إلى ما ذهب إليه «توماس هوبز» من أن الإنسان أنانى بطبعه، ينزع نحو استخدام القوة لأنه يعتقد أنه يعيش فى مجتمع يسوده «قانون الغاب». وكذلك ما ذهب إليه ابن خلدون من أن العنف واستعراض القوة هو نزعة طبيعية، وأن العنف من أخلاق البشر.

المشرع المصرى عمد إلى مواجهة تلك الظاهرة التى تهدد الأمن المجتمعى من خلال نصوص ومواد قانون العقوبات التى تدرجت فيها عقوبة استعراض القوة والتهديد بالبلطجة بدءًا من الحبس سنة، حتى عقوبة الإعدام، إذا تطورت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 375 مكرراً أو اقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة (234) من قانون العقوبات.

حيث نصت المادة (375) مكرر من قانون العقوبات على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أوبواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجنى عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أى أذى مادى أو معنوى به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه أو التأثير فى إرادته لفرض السطوة عليه أو إرغامه على القيام بعمل أو حمله على الامتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو التشريعات أو مقاومة السلطات أو منع تنفيذ الأحكام، أو الأوامر أوالإجراءات القضائية واجبة التنفيذ أو تكدير الأمن أو السكينة العامة، متى كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب فى نفس المجنى عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشىء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره».

الدولة أيضاً فى سبيل مواجهة تلك الظاهرة عمدت فى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٢٥٨٢ لسنة ٢٠١٩ بأن تحيل النيابة العامة جرائم الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة «البلطجة» إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ المشكلة طبقاً للقانون ١٦٢ لسنة ١٩٥٨، وذلك بهدف تحقيق مزيد من الردع والوقاية من تلك الظاهرة المهددة لأمن المجتمع المصرى.

لكننى مع ذلك أدعو البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ لمزيد من المراجعة التشريعية لمواد القانون الخاصة بالبلطجة واستعراض القوة بما يتناسب وتطور وشيوع تلك الظاهرة، وحتى يرتدع من يظنون أنهم لا يرتدعون أو أنهم فوق القانون، متناسين أن مصر دولة قانون، وأنه لا أحد فوق القانون فى الجمهورية الجديدة.