عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم وطن

رحم الله زمانًا كان الجميع ينتظر جريدة الأهرام القاهرية لقراءة صفحة الوفيات والتى كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة آنذاك لمعرفة من رحلوا ومتى وأين تقام العزاءات لهم، وكان هذا الأمر يخص فئة بعينها من فئات المجتمع، وهى فئة الأثرياء والمحالين إلى المعاشات والعمد ومشايخ القرى، والذين كانوا يحرصون جميعا على اقتناء ومطالعة جريدة الأهرام العريقة.

وكان الأمر يختلف فى القرى والأحياء الشعبية، والتى كان الإعلان عن الأموات يتم بها عن طريق تأجير بعض الأشخاص للإعلان بطريقتهم الخاصة عن من حضرتهم الوفاة، وكانت طريقة الإعلان تتم باستخدام (البازة) الذى يستخدمها المسحراتى، وكان ذلك قبل أن تنتشر مكبرات الصوت بالمساجد، والتى حلت محل هذه الطريقة البدائية، إلى أن وصلنا إلى عصر الانترنت وتحولت الجنازات والوفيات، إلى نوع جديد من الصحافة يحررها أصحاب الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعى، كلا حسب مستواه الثقافى فى الكتابة والعرض، واحتلت أخبار الوفيات الجزء الأكبر من الصفحات، وظهر الإبداع الصحفى لهذا النوع من الصحافة، بداية من متابعة المرضى والدعاء لهم، ونشر أخبارهم حال تعرضهم لحوادث أو نوازل، وإحاطة القراء لحظة بلحظة بحالة المريض الذى يكون غالبًا أحد أصدقاء هذه الصفحات أو من ذويه، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، ولكن تتجلى صحافة الوفيات فى السبق الصحفى، الذى يحصل عليه المدون أو الشخص العادى مصحوبًا بالبحث فى أرشيف صفحة المتوفى، أو أصدقائه، أو أقاربه، لعرض سطور من مشوار حياته مقرونة ببعض كتاباته على صفحته، لاسيما إذا كان آخر بوست قام بنشره يتنبأ به الشخص بقرب حلول أجله، وتتجلى صحافة التشويق والمعرفة خطوة بخطوة تبدأ من تحرك السيارة التى تحمل الجنازة، ومعرفة مواعيد وأماكن الصلاة عليها، وأماكن الدفن وهل العزاء مقصور على صلاة الجنازة، أم أن هناك تنويهًا بإقامة العزاء بإحدى السرادقات وتحديد الأيام والساعات التى تقام بها العزاءات.

ولم يتوقف الأمر عند نقل خبر الوفاة وموعد الدفن والعزاء، ولكن تحول الأمر إلى نشر مناقب الميت أو مثالبه، خصوصًا إذا كان من المشاهير وله علاقة بتصريحات أو كتابات أو أفلام أو مسلسلات شغلت الرأى العام، وتتم محاسبة الميت فى الدنيا قبل حساب الآخرة دون الاعتبار بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم والذى يرويه عنه ابن عمر رضى الله عنهما "اﺫﻛﺮﻭا ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻣﻮﺗﺎﻛﻢ ﻭﻛﻔﻮا ﻋﻦ ﻣﺴﺎﻭﻳﻬﻢ"، ولايخلو الأمر من تحول الميت إلى قديس أو شيطان، وقمة التناقض فى قيام البعض بذرف الدموع على طريقة اللهم أجرنا فى مصيبتنا رغم أنه كان على خلاف مع الميت وربما لم يسأل عليه أثناء فترة مرضه.

صحافة الأموات أصبح لها صفحات تجارية متخصصة، تقبل الاعلانات لكثرة المتابعين لها، وأصبح من يقومون على إعداد مواد النشر والصور لمن سبقونا إلى الآخرة، يتميزون بالفن والاخراج الصحفى الجيد، حيث يتم رفع صور الموتى بأحدث التقنيات والوسائل الحديثة المصحوبة بالمؤثرات المختلفة، واستخدام الفوتوشوب احيانا بلصق صور الميت مع بعض من يريدون التمسح به فى حياته أو إظهار علاقتهم الوطيدة به. وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.