رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

التخطيط لتوقيت حرب أكتوبر وقت الصوم كان غاية فى الاحتراف، اختيارا ذكيا من القيادة السياسية والعسكرية، للاستفادة من عوامل المفاجأة وأيضاً من المشاعر الإيمانية فى شهر الإيمان، الأمر الذى كان له أثره البالغ فى معنويات المقاتلين لاسترداد أرض الوطن.. وكان شهر رمضان هو الوقت الملائم نفسيا وروحيا لما يمر به الجنود من نفحات، وما يعطيهم من شحنة روحية، وكان شهر أكتوبر مناسبا، من حيث المناخ وليس فيه حرارة الصيف ولا برد الشتاء.

من المعروف أن الحرب خدعة، وخدعة حرب أكتوبر، هى عنصر المفاجأة، من حيث الوقت واختيار اليوم أيضاً، فقد ظن العدو الإسرائيلى أن المصريين صائمون، ولا قبل لهم بالحرب أو الهجوم فى هذا الوضع، فكانت الضربة الجوية المفاجئة قاسية على العدو الإسرائيلى، ما أفقده توازنه الاستراتيجى تماما، واستطاع الجنود المصريون، العبور إلى الضفة الغربية من قناة السويس، وتدمير خط بارليف المنيع، باستخدام خراطيم المياه، بعد أن قيل إنه لا يمكن تدميره إلا بالقنابل الذرية.

أكبر خطأ وقعت فيه القوات الإسرائيلية أنهم لم يضعوا فى أذهانهم العقيدة القتالية لدى الجندى المصرى، وهو ثانى عنصر مفاجأة فى الحرب، العقيدة التى جعلتهم يتحدون كل شىء، ولا يجعلونه عائقا أمام تحقيق حلم العبور، واسترداد الأرض.

ومن المفاجآت التى وقعت أثناء الحرب، هو أن غالبية الجنود رفضوا الإفطار فى نهار رمضان أثناء العبور، رغم إبلاغهم بصدور فتوى من الأزهر تجيز الإفطار فى الحرب، وأخطروا قياداتهم بإصرارهم على الصيام لأنهم يريدون أن يقابلوا ربنا، شهداء صائمين، ومن المفاجآت أيضاً أن الجميع مع بدء الضرب وبداية العبور، رددوا «الله أكبر» دون أن يكون متفقاً عليها، فكانت كلمة ساحرة من عند الله، رددها الجنود والقادة بشكل تلقائى، حتى كانت سببا فى النصر.

حرب العاشر من رمضان.. ذكرى أسطورة شعب وجيش حطما المستحيل.. شاركت فيها جميع أسلحة الجيش المصرى فى سيمفونية أبهرت العالم وفاجأت العدو، ويعد يوم العاشر من رمضان، أعظم انتصارات الأمة العربية فى تاريخها، الحديث الذى جسد أصالة شعب مصر وقواته المسلحة وعظمة ولائهم للوطن، وأصبح هذا الانتصار نقطة تحول كبرى فى التاريخ.

العاشر من رمضان هو اليوم الذى تمكن فيه الجيش المصرى من عبور قناة السويس والتوغل شرقا داخل سيناء التى كانت تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، بعد تحطم خط بارليف، أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث، وأفقدت القوات المصرية العدو توازنه فى أقل من ست ساعات.

نجحت حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر، فى إعادة الملاحة فى قناة السويس فى يونيو 1975، كما مهدت الطريق لإتمام اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل فى سبتمبر 1978، واسترداد مصر لسيادتها الكاملة على سيناء وقناة السويس فى 25 أبريل 1982، ما عدا طابا التى تم تحريرها عن طريق التحكيم الدولى فى 19 مارس 1989.

يعتبر نصر أكتوبر - رمضان، نقطة تحول حاسمة فى تاريخ العلاقات الدولية كما يمثل أعظم درس تاريخى على امتداد القرن الماضى، لقد كانت حدثا فريدا، بل نقطة تحول فى مسار الصراع العربى - الإسرائيلى، وكان من أبرز سمات حرب أكتوبر هو ظهور كفاءة المقاتل العربى، ومدى ارتفاع مستوى وعيه وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة، بما فيها الأسلحة الإلكترونية، وكان لحرب أكتوبر تداعيات سياسية فلولا الحرب ما استطاع «السادات» أن يبدأ مسيرة التسوية السلمية، فقد كانت الحرب بمثابة تحريك للمياه الراكدة وفتحت المجال لعقد صلح بين مصر وإسرائيل. وأثبتت الحرب للعالم أجمع قدرة المصريين على إنجاز عمل جسور، يستند إلى شجاعة القرار، ودقة الإعداد والتخطيط وبسالة الأداء والتنفيذ، مما أكد للعالم أن الشعب المصرى ضرب أروع صور البطولة ووقف إلى جوار قواته المسلحة، كما أكدت الحرب استحالة سياسة الأمر الواقع، وأن الأمن الحقيقى لا يضمنه التوسع الجغرافى على حساب الآخرين.

لقد كان لشهر رمضان ونفحاته وبركاته التى هبت نسماتها على الجنود الصائمين والمصلين أثره فى تحقيق النصر.