رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشعب يريد:

تلقيت دعوة كريمة لحضور حفل تأبين! وهذه الحفلات تعد «سرادقاً للعزاء» بمستوى معين.. وهى ما ترهق قلبى المرهق أصلاً من السن وتعب السنين وما حدث للمصريين وما يشهده العالم من تصدعات طبيعية ونزعات مجنونة ضد عجلة التاريخ والجغرافيا.. ولكنه تأبين د. محمود شريف السياسى الزاهد والعالم الجليل والمعلم الفاضل لكل من عرفه.

وتحديت ظروف البرد والخوف من كورونا وأخواتها ومتحوراتها وأقاربها من الفيروسات والميكروبات.. وذهبت لبقعة تعد نهراً للخير موازياً لنهر النيل ومطلاً على شارعى النيل وقصر العينى مبنى علاجى وأثرى وتاريخه يعلن عن أنه بنى ليرضى الله ورسوله ويخفف الآلام التى لم نكن نسمع عنها ويعمل به منذ إنشائه وحتى الآن بشر أكاد أراهم «ملائكة» ضلوا طريقهم للبشر.

بدأت رحلتى الصحفية به من فبراير عام 1974 عندما أرسلنى أستاذنا الجليل ومهندس الصحافة جلال الدين الحمامصى لعمل موضوع مع «وحش المعهد» العالم د. إسماعيل السباعى رحمه الله.. وكان أستاذ الحمامصى متأثراً وكلية الإعلام كلها بمرض زميلة كالنسمة فى كل شيء بالسرطان وهو أمر علينا جميعا جديد.. وأراد أن يعرف ونحن معه كل ما يتعلق بالمرض لننشره فى جريدتنا صوت الجامعة.. ذهبت للمعهد لأجد د. السباعى يشن غارة حربية استخدام فيها كل الأسلحة التى حباه الله بها مع أحد شباب الأطباء وجن جنونى ماذا أفعل؟ وتذكرت كلمة أ. الحمامصى «أنت اللى هتسلكي معاه» وتم اللقاء بواسطة «سرية» د. لطفى أبو النصر عميد المعهد ود. نازلى جاد المولى.. رحمهم الله.

وأنجزت الحوار بعد معركة بين طالبة وعالم جليل معروف بالعنف والجبروت.. ونجحت فى استفزازه وضعفت قوته واختفى عنفه، كما قال الأساتذة وهو أيضاً وحتى وفاته كنت على صلة به ولم يخف هذا.. ويقول وصلتنى أن أصرخ غيظاً.

وذهبت للمعهد فى اليوم التالى لتصويره وأمام د. لطفى أبو النصر بمكتبه دخل إنسان فوق العادة وابتسامته مبهجة متسائلاً «من الطالبة التى خلصت من د. السباعى ثارنا» وضحك د. أبو النصر وقال له «هى دي» ومنذ هذه اللحظة ارتبطت كطالبة وصحفية بهذه الشخصية التى لا تقبل التكرار، فهو كالبصمة تماماً لن يتكرر لا كإنسان ولا جراح ولا إدارى من الطراز الأول ولا سياسى، بأخلاق الملائكة ولديه حاسة اجتماعية لا تقارن فلن يكن يترك فرحاً أو عزاء لأصغر العاملين معه دون ذهاب له وتعامل مع الجميع بكل تواضع مع كبريائه.

وصلت للمعهد فوجدت عشرات بل مئات من العلماء والأطباء ينيرون المعهد ويتعاملون مع الله عز وجل ويتقاضون منه راتبهم والذى يفوق ما يتسلمونه كل أول شهر وللمعهد طقوس خاصة تختلف عن كل مكان ومستشفى بمصر اللهم إلا ما رحم ربى وأقصد مركز د. محمود غنيم بالمنصورة.

قضيت أكثر من 40 سنة لا أجد ما يقترب من الكمال إلا فى هاتين البقعتين وأحسبهما قطعتين من الجنة، بالرغم أنهما مراكز أعتى الأمراض وأصعب الظروف، وكما تم التعامل معهما وكأنهما أبناء البطة السوداء.. ولكن عندما تذكر الإرادة والنزاهة والتجرد والوطنية والانتماء وتحدى الظروف ولطم الفساد نذكرهما بكل عزة وفخر ورجاء أن يتكررا.

تحدث العديد من الأساتذة وتلاميذ د. محمود شريف وكأنهم يعزفون نغمة واحدة من العمل الجاد وتعليم الجميع وكان هدفاً أساسياً للراحل العظيم، وكيفية حل المشكلات وهدوئه الذى كاد يفتك بسياسيين كبار ومعاركه التى ينظر إليها من بعيد صامتاً منتظرًا إرادة الله وطالما جاءت لصالحه وصالح المعهد وأبنائه.. كيف انتشل كفاءات وجذبها للمعهد مثل أنجح رئيس جامعة فى العصر الحديث د. حسام كامل رائد زرع النخاع فى مصر وأول من أدخله للطب المصرى.. كما كان يتواصل مع تلاميذ للخارج دون طلب العودة ولكنهم يعودون طواعية لحبه ونقائه وأبوته لهم.

وجاء دورى كآخر المتحدثين وقلت إن هذا الحفل تكريم لا تأبين.. ولننظر إلى صوره لم يكشر فى حياته إلا عندما بكى على وزير وفنان عالجهما وهو سياسى كبير ورأيته لحظة وفاتهما عليهما رحمة الله.

تحدثت عن الجانب السياسى له وللدكتور شريف عمر كلاهما كان عميدا للمعهد وجمعا بين الطب والسياسة ويحسب لهما أن أكبر إنجاز لهما أن خلقا كوادر بدءا ممن يستقبله ببوابة المعهد وحتى أكبر العلماء على أساس علمى وخلقى وسلوكى.. فكل من يعمل بالمعهد يصلح مديراً لأكبر مؤسسة بالعالم لأن د. محمود شريف مع كوكبة العلماء زرعوا المعهد ببذور العطاء والتدين وأسلوب سياسى بارع وطول بال لا أجدها فى أى مؤسسة أو مكان عمل آخر صدقونى «قطعة من الجنة» وتبعد كثيرا عن أرضنا.. كل العمداء وبالتوالى عاصرتهم إلا اثنين فقط.. وقلت «بقسوة» إن المعهد بدأ بفريقين طبيين كل فريق يديره أستاذ جليل ولكن سر نجاح د. محمود شريف ود. شريف عمر أنهما كانا يتقمصان دور «كيسنجر» فى لم الشمل وفض الاشتباك قبل وقوعه ولهذا نجحا فى السياسة وكنت قريبة منهما، حيث عملت بالبرلمان والمحافظات ووزارة التنمية المحلية منذ كنت طالبة بالجامعة.

أنا حضرت عرساً لكل القيم السامية والخلق والدين وما ينفع الناس.. كان حفلا للتكريم «لأن اللى علم مامتش» عدت فخورة بالدكتورة غادة محمود شريف ود. خيرى صابر وكيل المعهد والعميد الهادئ والذكى د. محمود عبدالمعطى وكوكبة من أساتذة الجراحة يعدون «ألماظ» مصر وكأننا نحتفظ بهم ندعو لهم للنفع والادخار للزمن الصعب.. كل منهم دولة قائمة بذاتها والله حتى الإداريين والعاملين أمر يبث الأمل ويخلصك من كل الوباء والغلاء والابتلاء.. إنهم جنود الله فى الأرض ومنحهم من علمهم العلم والعطاء والرضا والابتسامة والهروب من المشكلات لإرضاء مريض كاد يتسرب له اليأس.

د. محمود شريف تجربة خاصة حولها كتجربة عامة فى الطب والسياسة.

رحم الله من مات وهدى من بقى..