رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

ليس المقصود بهذا العنوان الحوارات التى أجريت مع نجيب محفوظ فى الصحافة أو التليفزيون والإذاعة، وإنما الحوارات التى ابتكرها بنفسه وصاغها بذكاء مدهش على ألسنة أبطال رواياته، تلك الحوارات التى تعد تحفة فنية فى حد ذاتها، على الرغم من كونها جاءت متوافقة جدًا مع سياق الوقائع والأحداث الروائية.

لكن قبل أن أعرض عليك بعض النماذج من تلك الحوارات، هناك أمر ينبغى تحريره فى ملحوظتين هما:

1- أن نجيب محفوظ لم يكتب حواراته إلا باللغة العربية الفصحى، حتى لو نطق بها جاهل أو أمي، لكنها الفصحى البسيطة العميقة الكاشفة فى الوقت نفسه، وهنا تتجلى عبقريته الفذة فى تطوير اللغة العربية لتلائم العصر. صحيح أنه استخدم بعض المفردات العامية، لكنه استخدام شحيح للغاية لا يؤثر على منطقه الفصيح فى التعامل مع (الحوار الروائي)، وهذا ما جعل أى قارئ عربى غير مصرى يلتهم أعماله ويتفاعل معها وينفعل بها بقوة، فالفصحى توحد ولا تفرق.

2- إن صاحب نوبل 1988، لم يكتب أى حوار سينمائى على الإطلاق، فكل الأعمال التى كتب لها السيناريو أو القصة السينمائية، هناك شخص آخر كتب لها الحوار، وقد أوضح الرجل ذلك غير مرة، إذ قال: إن الحوار فى السينما يستلزم عادة الصياغة باللهجة العامية، وهو ما لا يستطيع فعله.

والآن تعال نطالع بعض النماذج من تلك الحوارات لنرى ونستكشف. فى (القاهرة الجديدة/ صدرت 1945) يقول على طه: (إنى أتهيأ لكتابة موضوع عن توزيع الثروة فى مصر)، وفى رواية (ميرامار صدرت فى 1967) تقول زهرة الخادمة الريفية: (إنى أعمل هنا كما يعمل الشرفاء وأعيش من عرق جبيني). وفى موضع آخر تقول زهرة: (إنى أحب الأرض والقرية ولكنى لا أحب الشقاء).

هل لاحظت بساطة التركيب اللغوي، رغم فصاحته؟ وفى رواية (الكرنك 1974) تقول قرنفلة الراقصة الأربعينية المعتزلة وصاحبة المقهى: (عندما تحب حقا فإنما تستغنى بالحب عن الحكمة والبصيرة والكرامة)، وفى زاوية أخرى تردد: (ما كنت أتصور أننى سأتعرض لمرارة التجربة مرة أخرى). فى رواية (رحلة ابن فطومة/ 1983) يقول فام صاحب الفندق فى دار المشرق: (هذه العلاقة تمارس هنا بلا قيود، ما إن تعجب فتاة بفتى حتى تدعوه على مرأى ومسمع من أهلها، وتنبذه إذا انصرفت عنه بنفسها محتفظة بالذرية التى تنسب إليها).

أما فى رواية (العائش فى الحقيقة/ 1985) فتقول تى مربية الملكة نفرتيتي: (لم أخالط الملك رغم قربى من زوجته، ولعله لم يخاطبنى إلا مرات معدودة، ولكن عذوبته لا تبرح القلب أبدًا).

ونأتى إلى تحفته الخالدة (الحرافيش/ 1977) التى أزعم أنها أفضل رواية عربية. تخاطب حليمة ابنها: (صددناه بعنف يا عاشور. فقال بإصرار: لم يكن من الأمر بد).

هل رأيت كيف يصوغ محفوظ حواراته بالفصحى العميقة البسيطة. إنه عبقرى عاش بيننا زمنا، وسيظل.