رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

تحدثنا فى مقالين سابقين عن معركة الحجاب فى مصر، وسر تشبث التيار الأصولى (الرسمى وغير الرسمى) به، وأوضحنا الدلالات السياسية والثقافية لهذه الظاهرة، فهى أولًا جزء من استراتيجية متكاملة تستهدف الهيمنة على الفضاء العام وتديين العقل الجمعى للمصريين، وهى ثانيًا تعزز وترسخ لهوية معينة ومحددة ومتميزة، هوية صارمة تفصل ما بين عالم المقدس وعالم المدنس بصورة حادة وقاطعة!!

وفى هذا الجزء الثالث والأخير نقدم البُعد الثالث لمعركة الحجاب، وهو بُعد سيكولوجى وانثروبولوجى، يرتبط بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة فى المجتمعات الإسلامية. ومن هذا الجانب يبدو أن السبب فى حرص الأصولى على حجب المرأة وإخفائها وتصميتها يرتبط بالرغبة فى السيطرة على الجانب الخطر فى المرأة الذى يُنسب إلى جوهرها، وإلى قوتها الغامضة، بوصفها الكائن المثقوب المعرض للاختراق الشيطانى، فما أن توجد الفتحة يوجد إبليس، ولذلك اُتهمت المرأة دومًا بأنها أدخلت الخطيئة والعذاب والموت إلى هذا العالم سواء كانت «باندورا» الإغريقية أو حواء اليهودية، سواء بفتحها الإناء الذى يحتوى على كل الآفات، أو بأكلها من الشجرة المحرمة. وهكذا فقد بحث الرجل عن مسئول الشقاء، وعن الفشل، وعن ضياع الفردوس الأرضى، فوجد ضالته فى المرأة بوصفها كبش الفداء أو الأضحية التى يشعر من خلالها أنه تخلص وإلى الأبد من إحساسه المخزى بالعار أو الذنب، ومن شعوره المرعب بالعجز والخواء، وليس احتقار الرجل الأصولى للأنثى سوى وسيلة دفاعية حاول من خلالها أن يسقط نواقصه وعيوبه كافة على ذلك الكائن الغامض المجهول الذى يُسمى المرأة.

إن معظم الكتابات التراثية الإسلامية التى تركها لنا الفقهاء تدعونا إلى الاعتقاد بأن المرأة كائن شيطانى، وتعكس موقفًا شديد الكراهية والازدراء تجاه النساء، ومن هؤلاء أبوحامد الغزالى فى كتابه «أحياء علوم الدين» والذى تفنن فى حبس المرأة وضبط سلوكها بما يلائم تلك الثقافة القمعية فهى قاعدة فى قعر بيتها، تطلب مسرة بعلها فى جميع أمورها، لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، تخرج متخفية فى هيئة رثة، قصيرة اللسان عن سب الأولاد ومراجعة الزوج. والمرأة عند «الطبرى» قرينة الشيطان: إذا أقبلت جلس على رأسها فزينها لمن ينظر لها، فإن أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر... صورة إبليس حاضرة فى ذهن المفسرين أينما يتذكرون المرأة، إنها سهم من سهام إبليس!

ولفتنة المرأة دلالات كثيرة، فهى تعني: الإثم، الضلال، الفضيحة، الجنون، فتنة الصدر، الوسواس، والشيطان فتان، لأنه يفتن الناس بغروره وتزيينه للمعاصى. الفتنة إذن هى إغواء وعصيان معاً، إنها السحر والتمرد، فالرجال يعصون الله خضوعًا لسحر المرأة، فيكون جمال المرأة طُعمًا يؤدى بالمرء إلى الهلاك الأبدى. وطالما أن جسد المرأة فتنة وغواية وسحراً، لذلك يتحتم إخفاؤه وحجبه وعزله. والحجاب بهذا المعنى تجسيد لمؤسسة الحجاب، أى للفصل المؤسسى بين فضاءين: فضاء خاص تلزمه المرأة، وفضاء عام يتحرك فيه الرجل.

من وجهة نظر التقاليد الإسلامية التى تدعو إلى الحجاب ليس الحجاب فقط مجرد علامة، بل هو عنصر أساسى فى نظام متكامل للإخفاء وللُغفلية التامة، إنه وسيلة اخترعها الرجل ليُخفى الجسد الأنثوى بصورة جزئية أو كلية، لأن لهذا الجسد قدرة خارقة على الجذب والسحر. بعبارة أخرى فإن ما هو استعراضى من وجهة نظر الدين هو جسم الأنثى، أما الحجاب فهو المصفاة التى تقى من تأثيراته المدمرة. إن الحجاب هدفه السيطرة الواقعية على جسد المرأة لإحكام مراقبته والتحكم فيه، وإخضاعه للتقاليد الدينية المقدسة، ومحاصرته ثقافيًا واجتماعياً، بحيث لا يُعبر عن نفسه إلا من خلال الحالات المرضية الاستثنائية كالصرع والمرض النفسى، بوصفها المتنفس الوحيد للتعبير عن هذا الجسد المقموع والمكبوت والمقهور!!