قضيتُ أيام العيد بقريتي العويضات التابعة لمركز قفط، والجميل أن تجلس بين أهلك و قومك في أحاديث شتى منها الجاد الذي يحلل الأمور بموضوعية وحياد، ومنها الطريف المضحك الساخر الذي يكون باعثا على الضحك، وهموم الناس تندرج في أمور حياتهم الدنيوية والدينية وارتفاع حرارة الجو والمشكلات الفئوية، فالمزارعون يشكون من تأخر السماد رغم دفعهم ثمنه مقدما قبل شهور، وهذه مشكلة كبرى لمستُ أهميتها لديهم، لأن سعر السماد بالأسواق خارج الجمعيات أضعاف سعره الحقيقي، والطلاب يشكون من الامتحانات وتعبها، وكلٌّ يشكو ليلاه.
أعود إلى حوارات القوم فهم يتحدثون في الأنساب فهم يعرفون أصول القبائل ومنتسبيها وغالبا دون تعصب إلا قليلا، وقد رأيتُ ولعَهم بالفقه الافتراضي، وكأن كل واحد منهم صار خليفة الإمام أبي حنيفة، رغم أنهم يتبعون مذهب الإمام مالك في منطقتنا بصعيد مصر، فهم يسألون عن مسائل فقهية لم تحدث بعد ثم يعرجون إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وكأنهم خبراء حرب قلقون من تأثيرها عليهم وعلى القمح، وهنا يفخر أحدهم أن لديه من القمح ما يكفي القرية كلها بعد أن وَرّدَ ما عليه من قمح للدولة، ثم يتجاذبون أطراف الأحاديث في الشعر والأدب ويستمعون للشعراء القوّالين مُرتجلي الشعر حسب الموقف والجالسين، فقد زارني ابن عمنا الشاعر دنقل الأمير فارتجل قائلا:
دي تقوى أبوك ورضاه
وصلاته على خير البريّة
نِلت اللي تتمناه
وحصلت ع الجايزة التقديرية
ويأخذون بأطراف الأحاديث حتى يغلبهم النعاس، فيمضى كل إلى بيته فرحا، فقد أزاح ما عليه من هموم وصار العيد عيدا
فكل العام أنتم بخير
• خاتمة الكلام
قال الشاعر صفوت البططى:
عيد الضحية ده عيد لحمْ
الكل ياخذ منابه
فقرا أو صلة رحم
والفاتحة للي غابوا