رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أثار قرار إزالة العوامات السكنية الكثير من المصريين، خاصة العاشقين لتراث هذا الوطن وتاريخه، وطالبوا بمنح أصحاب العوامات مهلة لتوفيق أوضاعهم، أو على الأقل ترك العوامات التى تحمل بين جوانبها وأركانها جزءًا مهمًا من ذاكرة مصر.

فى عهد الملكية كان سكان العوامات صفوة المجتمع من الفنانين، والسياسيين، والباشوات، والأجانب المقيمين فى مصر.

فى هذا الزمن لم تكن جلسات العوامات عادية، بل كانت شبه اجتماعات رسمية قد تخرج منها قرارات مصيرية، ففى بعضها كان يلتقى أهل الفن والسياسة مثل عوامة الفنانة منيرة المهدية، التى كان يرتادها كبار المسئولين ورؤساء الحكومات، وعوامة الراقصة بديعة مصابنى أمام فندق شيراتون القاهرة، التى قيل أن قرارات حكومية اتُخذت بها، وكذلك عوامة الفنان فريد الأطرش وكانت من طابقين على الطراز العربي.

أما عوامة الراقصة حكمت فهمى فكانت الأكثر شهرة، وترددت عنها قصصًا مثيرة، باعتبارها كانت مقرًا للتجسس على القوات الإنجليزية فى مصر لصالح الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولا يفوتنا أحد أهم عشاق النيل وهو الأديب الكبير نجيب محفوظ الذى أقام فى عوامة حسين باشا دياب لسنوات طويلة، ألف خلالها واحدة من أشهر رواياته وهى «ثرثرة فوق النيل»، التى تحولت بعد سنوات من كتابتها إلى عمل سينمائى يجسد ما يدور داخل العوامات من لهو ومجون.

الباحثون فى التاريخ وجدوا أن العوامات السكنية النيلية فكرة قديمة ظهرت إبان العصر المملوكى، ولكنها لم تنتشر أو تلقى رواجًا إلا فى عهد الخديو إسماعيل، وأطلقوا عليها الذهبية، لأنها كانت تطلى باللون الذهبى، وكان لها محرك يجعل صاحبها ينتقل بها من مكان لآخر.

أما العوامة السكنية الثابتة، فقد ظهرت الحاجة لها مع الحرب العالمية الثانية لنقص مواد البناء، حيث كان هناك أكثر من مليون جندى من قوات الحلفاء يمرون عبر القاهرة، وكبار الضباط البريطانيين يحتاجون لأماكن إقامة فأقيمت لهم عوامات يبيتون فيها، وبمرور السنين تحولت إلى سكن دائم للبعض.

فى منتصف القرن الماضى تقريبًا لم تكن العوامات السكنية فى مكانها الحالى، فى المسافة الواقعة بين كوبرى ١٥ مايو وكوبرى إمبابة، بل كانت تستقر على جانب النهر عند منطقة العجوزة وحى الزمالك الراقى، وكان أغلبها فى شارع الجبلاية.

وفى عهد الجمهورية اشتهرت المنطقة الواقعة من كوبرى عباس وحتى كوبرى إمبابة بإقامة مسابقات التجديف، واعتاد سكان العوامات متابعة البطولات من شرفات مساكنهم العوامة، وفى عام 1966 أصدر رئيس الوزراء آنذاك، زكريا محيى الدين قرارًا بنقل جميع العوامات من الزمالك والعجوزة إلى منطقة الكيت كات عام، واضطر البعض لترك عوامته، وقرر آخرون بيعها، رافضين الانتقال إلى حى «شَعبي»، ومنذ ذلك التاريخ قَل عددها، وبحسب الدراسات والكتب كان عددها تقريبًا 500 عوامة.

كثيرون وأنا منهم ليسوا ضد قرار وزارة الرى بإزالة العوامات السكنية غير المرخصة، وبالطبع ليسوا ضد تجميل شاطئ النيل شريان الحياة فى مصر، ولكن ضد محو جزء مهم من تاريخ مصر وذاكرتها، خاصة أن كثيرًا منها لن تتم إزالته إذا استخرج ترخيص سياحة ليتحول إلى مطعم عائم أو ملهى ليلى، إذًا الهدف ليس الإخلاء لتجميل شواطئ النهر.

ربما لم يسكن أى منا فى عوامات نيلية، ولكن هناك ارتباط غريب بين كثيرين وهذه العوامات، من منا ينسى مشاهد فيلم «أيام وليالى» لعبدالحليم حافظ وإيمان الذى تم تصويره فى إحدى هذه العوامات، من منا ينسى فيلم «ثرثرة فوق النيل» وثلاثية نجيب محفوظ، وغيرها من الأفلام التى جسدت ما كان يدور داخل هذه العوامات.

إن العوامات النيلية تشكل جزءًا مهمًا من تاريخ مصر يعيش فى وجدان الملايين، والحفاظ على ذاكرة مصر وتراثها مهمة قومية. وأطالب رئيس الوزراء ووزير الرى بالاحتفاظ بالعوامات التاريخية التى تحمل داخل جدرانها أسرار حقب مهمة فى التاريخ المصرى، وأقترح بتحويل إحداها إلى متحف لنجيب محفوظ أو متحف فنى يحفظ جزءًا مهمًا من ذاكرة وطننا.