رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

ابتكر المصريون فكرة الأعياد الدينية، منذ آلاف السنين، احتفالا بالحياة وحلاوتها، ولعل أقدم تلك الأعياد هو عيد (الأوبت) الذى يعود إلى زمن توت عنخ آمون تقريبًا (1341 ق.م/ 1323 ق.م)، وقد دوّن الفنانون القدماء طقوس هذا العيد وتفاصيله على جدران معبد الأقصر، كما ذكر الدكتور حسين عبدالبصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية. تنهض الفكرة المقدسة الخاصة بهذا العيد السنوى على قيام الإله آمون رع، رب معابد الكرنك، بزيارة زوجته الإلهة موت فى معبد الأقصر ليجدد عنفوانه وشبابه، الأمر الذى يحتم على حاكم البلاد أن يكرر هذه الزيارة الافتراضية المتخيلة على أرض الواقع، وهكذا يتقدم الحاكم البشرى موكبًا مهيبًا مخترقا أروقة المعبد، حتى يصل إلى زوجته البشرية فى عرينها المخملى، فتنتقل إلى ذلك الحاكم البشرى قوة الإله آمون رع وحيويته، ومن ثم يغدو قادرًا على حكم البلاد والعباد.

وبالطبع، تنطلق الأنغام الموسيقية وتترنم الحناجر بالأناشيد المبهجة فى أثناء ممارسة تلك الاحتفالات، فكل الطقوس الدينية المصرية القديمة لا تكتمل بدون الفن وإيقاعاته وموسيقاه ورقصاته، ولما استقبل المصريون الديانة المسيحية الجديدة، كان للفن نصيب أيضًا فى تعزيز طقوسها ومراسمها، فالترانيم الكنسية التى ينشدها الشمامسة فى الكنيسة، تكشف عن مزاج فنى أصيل تمتع به أهل مصر، الأمر نفسه تكرر حين دخل الإسلام مصر عام 642 ميلادية على يد عمرو بن العاص وجنوده، فرفع الأذان للصلاة يتولاه رجل ذو صوت رخيم محبب، وتلاوة القرآن الكريم أو ترتيله لا يقدم عليها إلا أصحاب المهارات الصوتية الجميلة، ولعلك تتذكر معى النشوة التى تعترى الجماهير وهى تنصت إلى أداء الشيخ عبدالباسط عبدالصمد أو مصطفى إسماعيل أو عبدالعظيم زاهر، وهم يصولون ويجولون فى المقامات الموسيقية المتنوعة فى أثناء ترتيلهم آيات الذكر الحكيم.

حتى التكبيرات الخاصة بالعيد ما هى إلا إيقاعات نغمية يرددها المصلون فى خشوع وسعادة انتشاء بقدوم العيد. باختصار... لا يمكن فى مصر فصل المناسبة الدينية المقدسة عن الفن بتنويعاته المختلفة، فكلاهما ممتزج فى سبيكة طقسية رائعة تعلى من شأن هذه المناسبة فى أنفس المؤمنين ووجدانهم.

لكل ذلك لا عجب ولا غرابة، فى أن تحتفل الفنون الحديثة بشهر رمضان وبالعيد، فما أكثر الأغنيات التى يترنم مطربوها بمحبة الشهر الفضيل، فهل يمكن لك أن تتخيل قدوم رمضان دون أن نسمع محمد عبدالمطلب وهو يشدو بسعادة (رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه أهلا رمضان)؟!

حتى السينما احتفت بالعيد وخصصت له مشاهد كثيرة فى أفلامها، بل أنجز حلمى رفلة فيلمًا بعنوان (ليلة العيد) شارك فى بطولته كل من شادية وإسماعيل ياسين وشكوكو، حيث عرض عام 1949، كذلك قدم المخرج كمال الشيخ لقطات سريعة عن حفاوة أهل القاهرة بقدوم العيد فى بداية فيلمه المتفرد (حياة أو موت) ليوسف وهبى وعماد حمدى ومديحة يسرى، وقد عرض فى 1954.

وأخيرًا تبقى التحفة الكلثومية الخالدة من قرن إلى آخر، وهى أغنية (يا ليلة العيد انستينا وجددت الأمل فينا يا ليلة العيد)، فحسب علمى لا يوجد بلد عربى واحد لا يصدح فيها صوت أم كلثوم بهذه الأغنية فى تلك الليلة المقدسة، فقد سألت أصدقائى من كل البلاد العربية، فأكدوا لى ذلك، الأمر الذى يكشف كيف يمكن للفن الجميل أن يتزاوج مع المناسبة الدينية المقدسة، لتسمو مشاعر الناس وتشف أرواحهم.

كتب الأغنية أحمد رامى ولحنها رياض السنباطى، وشدت بها سيدة القرون كلها أم كلثوم فى فيلم (دنانير) الذى عرض فى 1940، أى منذ 82 سنة، ومازالت القلوب تهفو كلما رنّ فى الأذان الصوت الذهبى (يا ليلة العيد أنستينا).