عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

احتاج الشاب محمد منير، أن يسافر أكثر من 1000 كيلو فى قطار درجة ثالثة يقطع المسافة ما بين اسوان والقاهرة فى وقت لا يقل عن 24 ساعة وممكن 36 ساعة.. ليكتشف أحد موهبته وحتى يكون فى النهاية مطربنا الكبير محمد منير!

هذه الرحلة، التى جازف منير أن يخوضها قبل 40 سنة على الأقل، وليس فى جيبه سوى جنيهات قليلة، وكأنه مغامر يركب البحار والمحيطات بفلوكة لاكتشاف أرض جديدة، لا يقدر عليها الكثير من مئات الموهوبين، أمثال منير فى الصعيد لظروف أسرية ومادية.. وتضيع للأسف مواهبهم!

نفس هذه المغامرة المنيرية خاضها القليل من الموهوبين الصعايدة مثل المخرج نيازى مصطفى، والمبدعة سناء جميل، وسميرة وخيرية أحمد والمخرج عاطف الطيب.. وغيرهم ممن تمكنوا بمجهودهم الشخصى أو عندما سافر آباؤهم بالصدفة للعمل فى القاهرة أو إلى المحافظات القريبة منها للالتحاق بأحد المعاهد الفنية التى تحتكرها القاهرة دون كل المحافظات!

وكأن الموهوبون لا يعيشون سوى فى القاهرة.. لا يوجد فرع واحد من معاهد أكاديمية الفنون فى المحافظات.. ومع أن الدولة أنشأت فى كل محافظة جامعة تقريبا، لم تفكر وزارة الثقافة أن تفتتح فرعًا لمعهد السينما أو المسرح أو الموسيقى.. أو الفنون الشعبية فى اية محافظة، وكأنه مكتوب على الموهوبين الصعايدة أن تحاصر مواهبهم المسافة البعيدة وتكاليف المعيشة ما بينهم وبين القاهرة لدراسة الفن وتنمية مواهبهم!

ولأن محافظات الدلتا قريبة نسبيًا عن الصعيد إلى القاهرة، تجد أن العدد الأكبر من الفنانين من محافظات وجه بحرى، بالمقارنة بالعدد القليل جدًا من الفنانين من وجه قبلى.. عشرات المواهب تضيع لأن وزارتى الثقافة والتعليم العالى لم تجدا منذ افتتاح اكاديمية الفنون عام 1959، أهمية لافتتاح معهد واحد من معاهد الأكاديمية فى هذه المحافظات وكأن القاهرة هى الفن والفن هو القاهرة!

وإذا كانت الدولة أخيرًا اهتمت مشكورة، باستكمال بناء وتحديث معهد السينما.. وكذلك معهد الفنون المسرحية، والمعاهد الأخرى التى تضمها أكاديمية الفنون.. فالسؤال: هل ما قامت به الحكومة من تطوير لهذه المعاهد كافيًا؟ أعتقد كاف بمقدار ما يتم انتاجه حاليًا من أفلام ومسرحيات وعروض فنية أخرى.. ولكن لو أردنا انتاجًا يصلح لاستعادة القوة الناعمة المصرية للصدارة، وكذلك للتصدير ويكون مصدرًا خامسًا للدخل القومى، ولن أقول أول أو ثان، فلا شك نحتاج إلى الكثير من بناء معهد أو طلاء واجهة معهد..!

وأهم شيء نحتاجه.. هو وقف احتكار القاهرة لكل المعاهد الفنية، ولابد من توزيع أفرع لها فى كل المحافظات.. ومثلما أقمنا جامعات وكليات فى تخصصات أخرى فى كل المحافظات فإننا فى حاجة إلى إقامة اكاديميات للفنون فى كل المحافظات كذلك.. فما زال على سبيل المثال عدد الممثلين والمؤلفين والمخرجين والمغنيين والموسيقيين من الصعيد والوادى الجديد والبحر الأحمر ومطروح أقل بكثير من القادمين من سكان الدلتا.. لأن المسافة ما بين الصعيد والقاهرة من عوامل منع مئات المواهب الفنية فى هذه المناطق من أن تجد فرصتها.. وُبعد المكان ليس وحده هو المشكلة طبعًا، ولكن انعدام البيئة الفنية والمناخ الفنى مع غياب المعاهد الفنية يجبر الكثير من هذه المواهب هناك، على الدراسة فى الكليات النظرية المتاحة لديهم التى لا يحتاج سوق العمل ربع خريجيها.. وساعتها نخسر الكثير من الموهوبين ونكسب المزيد من العاطلين!

[email protected]