عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كان «كارل ماركس» الفيلسوف الألمانى الشهير يعتبر أن الدين أفيون الشعوب عندما يُوظف فى خدمة الطغيان من أجل تركيع الشعوب وترويضها وإخضاعها لسلطة خفية مقدسة. والآن، ومع التطورات التى حدثت للعالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وأفول نجم الأيديولوجية الماركسية وسقوط العالم فى قبضة الرأسمالية المتوحشة، ومع دخول البشرية فى عصر العولمة، وغزو السوشيال ميديا لحياة الإنسان المعاصر (العامة والخاصة)، ومع خضوع السياسة والثقافة والدين وكافة القيم الأخلاقية لصنمية السلع، وقابلية كل شيء وأى شيء – بما فيهم الإنسان نفسه – لأن يتحول إلى سلعة. كل هذا، وغيره أدى إلى دخول الإنسانية فى مرحلة جديدة أُطلق عليها البعض عصر التفاهة أو «نظام التفاهة» على حد تعبير الكاتب المعاصر «آلان دونو»، فالتفاهة افترست كل شيء، وأصبحت هى المقدس الجديد أو الديانة التى يلتف حولها الناس من كل الأعمار والثقافات والديانات والأيديولوجيات والشعوب.

وإذا حاولنا أن نُعرف هذا المعبود الجديد، نقول: إن التفاهة هى نقص فى الوعى والخيال، وعجز عن الإبداع، ونفور من كل ما هو عقلى أو جاد، وانجذاب وافتتان بكل ما هو سطحى وضحل وسهل وركيك وعديم القيمة. والتفاهة بهذا المعنى هى أسلوب سهل ورخيص وغير مكلف أو مرهق فى ممارسة الحياة. إنه يتطلب فقط قدر من الذكاء الاجتماعى، ومرونة فى التكيف والتوائم والامتثال مع الأوضاع القائمة، والتخلى عن التشبث بالمقولات والمفاهيم التى كانت تحدد العالم الحداثى القديم: كالحرية والعقلانية والرفض والاحتجاج والإبداع والفن والحب الرومانتيكى، واليوتوبيا... الخ.

إن الأساس الذى خرجت منه كافة مظاهر التفاهة المعاصرة مثلما خرجت الشرور من صندوق «باندورا» فى الأساطير اليونانية هو الرأسمالية. الرأسمالية هى أصل التفاهة ومصدرها، لماذا؟ لأن ثقافة السلعة: ثقافة تسليع الفن والتعليم والسياسة والإعلام والدين والإنسان هى إنتاج أصيل للرأسمالية المعاصرة. التفاهة هى سلاح الرأسمالية الجديد للسيطرة على البشر، وحشد وتعبئة كافة شعوب الأرض داخل منظومة سياسية – اقتصادية واحدة. إن هذه التفاهة هى الطريق الملكى لخلق عبودية جديدة، عبودية مرغوبة ومختارة، يحبها الإنسان ويسعى إليها ويعشقها، ويدفع من أجلها ذاته وحياته وعقله وجسده وخياله وفكره وشرفه وكرامته وتفرده من أجل أن يحظى ببركتها وينعم بجنتها!

ومن أهم مظاهر هيمنة التفاهة وغزوها لحياتنا بصورة مرعبة: الإلهاء، الهوس الكروى، البطولة الزائفة، السعار الاستهلاكى، الاستعراض (ثقافة الشو)، التدين الشكلى، الحوارات الإعلامية المبتذلة والهشة، انتشار وباء أغانى المهرجانات والراب، الاستبداد الرقمى، اعتلاء أنصاف المثقفين وطبقة التكنوقراط والجهلاء والتافهين لأعلى المناصب الإدارية والسياسية فى الدولة، غياب الشفافية، اختفاء الفن الراقى (المسرح، السينما، الغناء) الترويج لنظام الحوكمة (أى تحويل مؤسسات الدولة إلى شركات تجارية هدفها الربح)، ضمور الدور الطليعى للمثقف فى مقابل الحضور الطاغى لسلطة رجل الدين، انشغال الإعلام والصحافة والسوشيال ميديا بكل ما هو غث ورديء وفضائحى مثل تتبع أخبار الفنانين والفنانات ولاعبى كرة القدم، قتل الإبداع والتفكير النقدى لدى الطلاب من خلال تعزيز الجهل لديهم عبر أسئلة الاختيار من متعدد والصح والخطأ... الخ.

ومن أهم مظاهر التفاهة فى حياتنا المعاصرة أن أصبح العالم الافتراضى أهم من العالم الواقعى، وأصبحت الصورة بديلًا عن الأصل، وغدا الوهمى أو الزائف بديلًا للحقيقة.

إن خطورة التفاهة أنها تخترع ثقافتها ونجومها وحيلها ونسقها الفكرى، وهى تجتذب فى كل يوم أعضاء جُدد لأنها تُغرى ضحاياها بالمزيد من المال والشهرة والسلطة والبطولة، وتشعرهم دومًا بأن مصير هذا العالم وخلاصه مرهون بوجودهم!