كاريزما
يتلاقى تضادان فى القصيدة الواحدة الأول خاص بعقلانية الشاعر والثانية تخص سحب اللامعقول.. وتضافر قوى الفهم الفلسفى مع صراعات المذاهب والتحولات الكبرى فى إبداع عقلانية الإصلاح وجهاد الشاعر نحو السعى لتغيير العالم حوله. وهكذا يحاول. الشاعر محمد عفيفى مطر.. فبرغم رحيله الا ان قصائده لا تزال فاعلة تتطور وتحلق. عاش مطر أكثر من حياة وأكثر من حضارة وأكثر من نبوءة.. كإنما أراد أن يصل الأمر به إلى أعلى درجات السمو الإنسانى مرورًا برسم خريطة لروح الشعب العربى يقتص فيها عدو مشترك يتربص بآلامه ويبدل الاحتلال بآخر لقد حاول مطر التأصيل السياسى للعقيدة الفلسفية الطاعنة فى غياهب مجتمع تنعدم فيه الرؤيا.. عاش مطر سنوات فى العراق وتولى مسئولية تحرير أهم المجلات الأدبية فى العالم العربى.. وقد منحه الشعراء هناك لقب شاعر القومية قال عنه الناقد عبدالواحد لؤلؤة هو صاحب قاموس بلاغى يصعب بلورته فى وصف أو تقليد.
اليوم بعد مرور أحد عشر عاما على رحيله نتساءل ماذا بقى من عفيفى مطر.. لقد أجمع المبدعون ان مطر هو شاعر الأرض والطين ولهذا فمنذ ديوانه الأول وهو يرصد نبض الوطن.. فى ديوانه الأول.. من دفتر الصمت.. الصادر عام ١٩٦٨ تنبأ بفاجعة التشتت العربى على مدى الاقطار وعلى مدى السنوات تم احتلال العراق وتمزت شعوب فى سوريا وصارت الهجرات غير الشرعية هى الأمل عند السوريين والليبيين واللبنانيين حتى ضجت أوروبا وأمريكا منهم..
ولكن مطر فى ديوانى احتفالية المومياء المتوحشة.. وفاصله إيقاعات الرمل.. بشر بتوحد الأمة العربية ووصفها بانتصار مؤجل.. دواوين مطر لا تزال تتجدد فى كل قراءة جديدة لتجديد نفسك أمام مستودع من عقلنة الرؤية الإنسانية تحتوى فى ذاتها على ادراك تذليلها لتجارب الماضى القريب.. ولكنه ادراك لم يقيد نفسه بمفاهيم الماضى وثقل رموزه الكبرى.. بل فى إبداع عقلانية الإصلاح وهو الذى يفسر أيضًا عدم انهماكها فى صياغة منظومات الفكر القومى.
من أعمق دواوينه.. على ان جميعها شديدة العمق.. انت واحدها وهى اعضاؤك انتثرت.. وشهادة البكاء فى زمن الضحك.. وغيرها.. تراث عريق يمتلك مفهوما محددًا للقومية..نحو نور فجر لازلنا فى انتظاره.