رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

 عندما أشرق يوم السبت السادس من أكتوبر من عام 1973 كنت قد تجاوزت عامى الثانى عشر بنحو ستة أشهر، بينما كان أشقائى الكبار الثلاثة يخوضون المعارك الطاحنة مع رفاقهم الأبطال من جنود مصر ضد العدو الإسرائيلى.

فى شقتنا بمساكن حجازى بشبرا الخيمة، رأيت القلق يزحف على وجوه أبى وأمى وشقيقتى، لأن أشقائى الكبار كانوا هناك... على الجبهة وفى قلب المعمعة، بينما أخبار المعارك تترى فى الراديو لكنها أخبار عامة دون أى إشارة لأى اسم من الجنود أو الضباط!

الشقيق الأكبر إبراهيم، مولود فى العاشر من سبتمبر عام 1945، وتخرج فى كلية التجارة جامعة عين شمس عام 1967، والتحق بالجيش فى أبريل من سنة 1968، ثم اختاروه ضمن مجموعة من الضباط والجنود لتدريب الجيش الليبى عقب وصول القذافى إلى السلطة، ولما عاد فى سبتمبر من 1973 لإنهاء إجراءات تسريحه من الخدمة، ذهب إلى وحدته فى الإسماعيلية يوم 23 سبتمبر، لكنه لم يعد حتى اندلعت الحرب ولم نعرف عنه شيئا!

أما الشقيق الثانى فكرى، فمولود فى 25 ديسمبر من عام 1947، تخرج فى كلية الهندسة جامعة عين شمس عام 1971، وعلى الفور تم تجنيده ضمن قوات الضباط الاحتياط، ليصبح ضابط مهندس رادار فى منطقة عسكرية تقع بين أسيوط والبحر الأحمر، وكان عليه أن يراقب السماء على مساحة بامتداد 830 كيلو مترًا، وفى سبتمبر من 1973 تم تكليفه بإعطاء دورات تدريبية فى إحدى الوحدات العسكرية قرب القناطر بمحافظة القليوبية، لكنهم استدعوه فجأة صباح الرابع من أكتوبر ليعود إلى (راداره)، فعاد متعجبًا، وهو لا يدرى، ولا قائده، أن الحرب ستندلع بعد 48 ساعة فقط، وبالفعل استطاع أن يكتشف على الرادار طائرتى فانتوم إسرائيليتين تسللتا على ارتفاع منخفض فى العمق المصرى، فأبلغ القيادة على الفور!

الشقيق الثالث فوزى، مولود فى 3 يناير 1953، حصل على دبلوم صنائع قسم النسيج عام 1971، (ثم مؤهل متخصص فى النسيج بعد ذلك من معهد بالمطرية نسيت اسمه)، التحق بالجيش ضمن سلاح الحرب الكيماوية فى أبريل 1973، وكانت وحدته العسكرية فى القاهرة، ويتمتع بالعود إلى المنزل فى إجازة مبيت بشكل شبه يومى، لكنه فى سبتمبر تم ترحيله إلى الإسماعيلية لينضم بعدها مباشرة إلى قوات الجيش الثالث بقيادة الفريق أحمد بدوى، ومن يوم مغادرته القاهرة إلى الجبهة لم يطل وجهه البشوش علينا أبدًا حتى اندلعت الحرب!

المعارك تستعر فى الجبهة والبيانات العسكرية تعزز الفخار، والأخبار عن الجنود والضباط منعدمة وقلوب الأهالى مضعضة من فرط الخوف على أبنائها، لكن الأحزان تحاصر بيتنا البسيط، فوالدى أصيب بذبحة صدرية من شدة قلقه على أبنائه، والملازم أول يسرى البتانونى الذى يقطن خلفنا استشهد فى الحرب، فانفجر البكاء فى الحى كله على رحيل هذا الشاب النبيل، وهو صديق حميم لشقيقى فكرى والأخ الأكبر لصديق الطفولة والصبا ناصر البتانونى، ثم رأينا فى الصحف عشرات الأسرى الإسرائيليين وقد افترشوا الأرض تغشاهم المذلة فصدحت أفئدتنا بالعزة، ورأيت أبى يطارد الإذاعات الأجنبية بحثا عن الأخبار رغم آلامه المبرحة بسبب العطب الذى اعترى قلبه، وسمعت شقيقتى الكبرى الدكتورة ماجدة تحاول طمأنة أمى، بينما قلبها ينفطر من الخوف على أخواتها، وسألنى شقيقى صلاح الذى يصغرنى بعامين (ترى... هل سيعود أشقاؤنا الكبار من الحرب أحياء؟).

والآن... مات أبى وماتت أمى، ومات إبراهيم... ومات فوزى... وماتت شقيقتى الكبرى ماجدة ومات حتى صلاح الصغير، وأطال الله عمر شقيقى فكرى، حيث بقيت ذكرى حرب أكتوبر توقد فى قلبى أطيب الذكريات وأكثرها قلقا وفخرًا... وعذوبة!