رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

عندما وقعت هزيمة 5 يونيو 1967 انكسرت أنفس المصريين، وزهد الناس فى المرح والترفيه، فأغلقت دور العرض أبوابها لمدة أربعين يومًا متواصلة، وفى 15 يوليو عرض للمرة الأولى فيلم (أبوالهول الزجاجى) وهو إنتاج مصرى إيطالى إسبانى مشترك ومن إخراج كمال الشيخ ولويجى سكاتينى كما ذكر الناقد والمؤرخ محمود قاسم فى موسوعته عن الأفلام المصرية، ثم استردت السينما عافيتها واستعاد المصريون ثقتهم بأنفسهم وجيشهم عقب نجاحهم فى معركة (رأس العش) فى أول يوليو من ذلك العام الحزين، لتنهمر الأفلام مرة أخرى.

ما يهمنى هنا هو ما قدمته السينما بعد هذه الهزيمة حتى انتصار 1973، لأن الفن، أى فن، هو جزء وتعبير عن واقع اجتماعى سياسى معين، وحتى الآن لم يبتكر الإنسان فنًا خارج سياق الواقع الذى ينبثق منه.

إذا اتفقت معى على صواب هذا الكلام، فأرجو أن ترافقنى لنطل سريعًا على الأعمال السينمائية التى أنتجت وعرضت بعد هزيمة 1967، لنكتشف المزيد عن حياتنا وفنوننا، فالسينما خير مرآة تعكس أحوال المجتمع ومزاجه، وكذلك كان المسرح، ومنذ عقود قليلة انضمت إليهما الدراما التليفزيونية لتغدو هذه الفنون التى تتكئ على (التمثيل) أصدق من يصور المجتمع من جوانبه كافة.

فى 14 أكتوبر 1967، عُرض فيلم (الزوجة الثانية) للمخرج الفذ صلاح أبوسيف، وهو أكثر الأفلام التى تدين عصر ما قبل ثورة يوليو 1952، ثم فى 19 يونيو 1968 يسدد المخرج توفيق صالح ضربة قاصمة للظلم الذى تعرضت له الغالبية الفقيرة فى عهد ما قبل يوليو 1952، من خلال فساد المنظومة الصحية فى فيلم (المتمردون)، وفى 28 أكتوبر 1968 يفضح المخرج كمال الشيخ الفساد الصحفى إبان الحقبة الملكية فى فيلم (الرجل الذى فقد ظله)، وفى 26 يناير 1970 يزلزل يوسف شاهين أفئدة الملايين بفيلمه (الأرض) الذى يصوّب رصاصات الغل ضد العهد الملكى وباشواته.

وفى فيلم (غروب وشروق) الذى عرض فى 16 مارس 1970 يوجه المخرج كمال الشيخ لطمات موجعة لعصر ما قبل يوليو ورجاله المتحالفين مع الاحتلال الإنجليزى، ويكرر كمال الشيخ لطماته مرة أخرى فى فيلم (شىء فى صدرى) الذى عرض فى 30 أغسطس 1971، ثم يقدم حسن الإمام فيلم (السكرية) فى 14 يناير 1973، وبه ما به من انتقادات حادة لزمن الباشوات. وفى 26 فبراير 1973 يعرض فيلم (ليل وقضبان) للمخرج أشرف فهمى، وهو صرخة إدانة لنظام السجون شديد القسوة فى ذلك العهد البعيد.

حتى فؤاد المهندس قدم مسرحيته الأشهر (سيدتى الجميلة) فى 1969، وهى تسخر من الخديو وعائلته وزمنه وباشواته وناسه.

صحيح أن السينما المصرية قدمت عقب هزيمة 67 أفلامًا اجتماعية وكوميدية خفيفة تصل إلى حد السذاجة، لكنها عكفت على إنتاج أفلام جادة بشكل مكثف عما ذى قبل... أفلام متقنة الصنع تدين بشدة ما كان يجرى قبل يوليو 1952، فلماذا؟ هل خشى النظام آنذاك أن يكفر الشعب به، فيثور عليه حالمًا باستعادة العهد الملكى بعد أن تعرض لهذه الهزيمة القاسية؟ هل أمر رجال عبدالناصر صناع السينما ساعتها أن يقدموا أفلامًا تندد بعهد الملك؟ ثم هل يمكن أن يبدع أحد فناً جميلاً بالأمر؟ أم أن فنانى ذلك الزمان كانوا يؤمنون بتجربة عبدالناصر، رغم قناعاتهم بمسؤوليته عن الهزيمة، ومع ذلك رفضوا السقوط فى بئر الحنين المضلل للعهد القديم، فقرروا تذكير الناس بمآسى ذلك العهد من وجهة نظرهم؟

على أية حال... عبرنا الهزيمة وتناستها الأجيال ومات عبدالناصر ومن جاءوا بعده، لكن الفن الجميل متقن الصنع سيظل ممتعًا وخالدًا من قرن إلى آخر.