رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

داء خبيث، ومرض قلبى لعين، ينجو منه أقل القليل (الخاصة)، يسرى فى النفوس بسرعة كتدفق الدم فى الوريد، يتملّك العقل فى الأساس تملكا غير محسوب، فيُوهمه–زيفا وكذبا–بِعِظم نفسه وتضخم ذاته وتميزه عن كل أقرانه.

ثم يمكث فى الجسد طويلا كالضيف الثقيل يصول هنا ويجول هناك فى سائر الأعضاء حتى يُطل بوجهه القبيح على اللسان مثلا، فيتحكم فيه وما ينطق عنه فيحوله إلى لسان عنيد سخيف ملأه التيه والتعجرف ثم يُحكم سيطرته على باقى الجوارح لتصدر لنا فى النهاية سلوكيات شريرة مؤذية عنوانها التكبر والاستكبار.

وأستطيع أن أجزم أننا كلنا تقريبا قد اعتلاه هذا الداء فى أوقات عدة وبدرجات متفاوتة تتأرجح بين الزيادة والنقصان حسب قوة النفس ومتانة منهجها الأخلاقى، ولكن هناك من استطاع أن يهذبَ نفسه وأن يسحقَ كِبره وأن يُقوِّم منهجه فتغلب على ضعف نفسه وأعاد توازنه المسلوب ونقَّى دمه من شوائب الكِبر الدنيئة العالقة به فنجا وحافظ على براءته وفطرته السليمة.

أما ما يُوجب الكِبر فى نظر العامة فكثير، وحدِّث بلا توقف، فالمال والسلطة والعلم والشهرة والنسب الشريف والجمال وحسن الهيئة كلها مُدعيات للكِبر عند ذوى النفوس الضعيفة، فقلَّما تجد من أُوتى عزًا ومالًا ومنصبًا وسُلطة وكان سمتُهُ التواضع، لذلك حينما أجد فى طريقى هذا الصنف الفريد من البشر يلفت انتباهى بشدة ويأخذ تفكيرى، فقلما تجد من امتلك كل أسباب التباهى والتفاخر والغرور من مال وعِز وسلطة ولكنه امتهن عِزّه وسخَّر ماله وذلّل سُلطته فى خدمة الناس دون أن يُعلن عن نفسه، ودون أن يتفاخر بذلك أو يظهر أساسًا فى الصورة، نعم وجدتُ هذا النموذج المُلهم الفريد.

أما مظاهر الكِبر فأيضا كثيرة فتستطيع أن تجزمَ عزيزى القارئ أنَّ من يُحدثك مُصابا بداء الكِبر أو لا، وستكتشف ذلك بمنتهى اليُسر والسهولة إذا تعرفت على مظاهر الكبر، فتعظيم الذات بشكل متضخم جدا مع ترديد عبارات وافتعال مواقف تبرهن على ذلك بكثرة مع الاستهانة والتقليل من شأن الآخرين من أول مظاهر الكِبر المقيتة، وإن بحثت عن تقييم لحكمه فستجد حكمه كاذبا فلا هو عظيم الشأن كما يدّعى ولا الآخرون يستحقون التقليل أو التحقير.

وأيضا الاعتقاد بأنه يفهم فى كل الأمور وأنه نابغة عصره وأذكى أذكياءه، مع تعمده عدم الالتجاء إلى أهل الاختصاص والكفاءة، وعدم الاستماع إلى أى نصح أو استرشاد، مع فرض رأيه على الآخرين دون إعطائهم فرصة للرد أو المناقشة مع الإصرار على الخطأ، وطبعا المباهاة بالعلم والتفاخر به والتباهى بالمال والسلطة وبالأحساب والأنساب، واحتقار الناس من أجل ذلك، والتفاخر بحسن الخِلقة وجمال المنظر، والاستمتاع بسماع القدح والذم فى الآخرين، وعدم الاعتراف مطلقا بفضلٍ أو تميزٍ لأحد أقرانه، كل هذه مظاهر للكِبر قد تتواجد كلها أو معظمها فى شخص المتكبر العنيد.

ويقول علماء النفس إن أهم الأسباب النفسية للتكبر عند البعض ترجع إلى عدم الأمان النفسى Emotional Insecurity، وهى حالة مضطربة تجعل المُتكبر فى حالة من التخبط وعدم الأمان النفسى بسبب شعوره بالضعف الداخلى وبتدنى قيمته، ويكون هذا فى الغالب بسبب مقارنته لنفسه بشخص آخر، أو بسبب مبالغته فى مسألة تقدير الذات، فالمتكبر فى هذه الحالة يكون لديه ضعف فى إدراك حقيقة نفسه فيستخدم التكبر كوسيلة لاسترجاع ثقته بنفسه رغم أنها ثقة مصطنعة وغير حقيقية.

فالمتكبر بعبارة أخرى يعيش فى شك حول مسألة تقديره لذاته، سواء كان فى الواقع يقدرها أو لا، ذلك الشك يجعله يفكر فى التكبر على الآخرين لتعويض الثقة بالنفس المصطنعة وغير الطبيعية. 

وفى مضرة وأذى التكبر يقول ابن القيم: إن أصل الأخلاق المذمومة كلها الكِبر والمهانة وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة، فالفخر والبطر والعُجب والحسد والبغى والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والإعراض وإباء قبول النصيحة والاستئثار وطلب العلو والجاه، وأن يُحمد بما لم يفعل وأمثال ذلك كلها ناشئة من الكبر.

فالكِبر مرض عُضَال ويزداد سوءه أضعافا إن مس أشخاصا قادتهم الصدفة أن يتحكموا فى مصائر البشر.

[email protected]