رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

بعد مرور تسعة أشهر على بدء ظهور فيروس كورونا، وفى ظل الأرقام المخيفة والمتغيرة على مدار الساعة، ربما أكثر ما يلفت الانتباه خلال الفترة الماضية، هو أن الجائحة أصبحت بمثابة اختبار حقيقى للإنسانية.

هذا الوباء اللعين كشف خللًا رهيبًا فى قلة الوعي، وتعزيز الشعور بالخوف، وحالة غير مسبوقة من الهلع، كما منحنا فرصة غير مسبوقة للتأمل واكتشاف سلبيات كثيرة فى أخلاقنا وسلوكياتنا اليومية.

على طريقة «كان يصلى لأمرٍ كان يطلبه.. فلما انقضى لا صلَّى ولا صامَ»، لاحظنا بكل أسف زيادة جرعة «التديُّن الشكلي» المؤَسَّس على نظرة «شوفينية» مصحوبة بغطاء «ميكافيلي» لدى الكثيرين.

تلك الجرعة الإيمانية والروحانية الزائدة فرضت نفسها بوضوح خلال الفترة الماضية، على خلفية الزيادات المضطردة فى أعداد الوفيات والمصابين.. ولذلك سنفترض دوافعها المحمودة، ربما على سبيل حُسن الختام أو التقرب إلى الله تعالى.

وبما أن كثيرين ركبوا بالفعل أو يحاولون اللحاق بركوب موجة التديُّن، فعليهم معرفة أن ذِكْر المولى سبحانه والتقرب إليه يكون فى السَّراء والضَّراء على السواء، لكى لا يتحول الأمر إلى نفاق ورياء.. فديمومة التديُّن مطلوبة، ومقرونة بالإخلاص، كما أن التديُّن بالطبع ليس عبادات فقط، وإنما سلوكيات ومعاملات فى المقام الأول.

ورغم الإحساس بدنو الآجال واقتراب وطأة الموت التى تحاصرنا فى كل لحظة، ومحاولة مواجهة الوباء اللعين بالتباعد وتعقيم ونظافة أجسادنا واتخاذ كافة التدابير الاحترازية، إلا أن الأمر يتطلب أيضًا تقرّبًا حقيقيًا إلى الله، بالإخلاص فى العمل وطهارة القلوب وإعادة الحقوق لأصحابها، وإحياء الضمائر من حالة الموت السريري!

يمكننا رصد ذلك التأثير الكبير ـ المباشر وغير المباشر ـ على سلوكياتنا الدينية، أفرادًا ومجتمعات، بعد استمرار انتشار وتفشى فيروس كورونا، لأنه فى زمن الأوبئة والكوارث تنتعش الأديان، كما تتصدر الواجهة أيضًا الشعوذة والخرافات.. وبالطبع يختلط العلم بالجهل!

وبما أننا نفترض حُسن النيَّات فى الآخرين، نرجو أن يكون التغيير حقيقيًا على مستوى السلوكيات والأخلاق والمعاملات، وأن يكون الوباء فرصة للتغيير نحو الأفضل، لبدء صفحة جديدة مع الله والوطن والمجتمع.. وبالطبع مع أنفسنا.

يجب أن تنتهى من قواميس حياتنا تلك الازدواجية المفرطة، التى يتقنها كثيرون، حيث تبدو فى ظاهرها مثالية زائفة وادعاء للقيم والمبادئ و«التديُّن»، وفى باطنها سلوكيات سلبية مصحوبة بممارسة كافة أنواع الموبقات.

نرجو إنهاء تلك الصورة الزائفة، التى تصور الناس على غير حقيقتهم، فى عالم افتراضى يزخر بالمثاليين الصادقين، والمتدينين الخيِّرين أصحاب النيّات الحسنة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، البارُّون بآبائهم وأمهاتهم، الصابرون على نوائب الدهر، المحتسبون عند الله لما ألمَّ بهم!!

نعتقد أن الدِّين لم يُختزل فى ممارسات شكلية وعبارات يتمتم بها بعض الناس أو يتناقلوها فيما بينهم، خصوصًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه فى الأساس دين عبادات ومعاملات وأخلاق وسلوك.

إن مأساتنا أعمق من تجميلها بكلمات لا تُسمن أو تُغنى من جوع، لأن مشكلتنا، كما يقول «جبران»: «نتزوج ولا نحب، نتكاثر ولا نربي، نبنى ولا نتعلم، نصلى ولا نتقي، نعمل ولا نتقن.. نقول ولا نصدق».

أخيرًا.. نرجو من الله قريبًا انتهاء «عاصفة» كورونا، بعد أن تقتلع فى طريقها كافة تأثيراتها السلبية على سلوكياتنا، خصوصًا ما يتعلق بحالة التدين الشكلى التى تنتشر وتتمدد مع الأوبئة.. فاستقيموا يرحمكم الله.

 

[email protected]