رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشعب يريد:

 

 

 

 

أكتب عن أساتذتى الذين تعلمت منهم، وهم كثر فى مجال الصحافة وخارجها، فما يميز الإنسان على كل مخلوقات الله ليس العقل أو المخ لأن لكل مخلوق مخاً ولكن ما يميز الإنسان هو الذاكرة ولهذا فالذكريات تتراكم كمخزون حتى تصبح ذكرى تخلد من أحسن عملاً أو تحرق من أساء ذكراه وعمله.

قبل وفاة أستاذنا حسين عبدالواحد، رحمه الله، طلب من نجله العزيز «هشام» أن يقوم معه بجولة تبدأ من الدرب الأحمر حيث نشأته وكم تأثر لإغلاق مسجد السيدة فاطمة النبوية رضى الله عنها ومسجد والدها سيدنا الحسين عليه رضوان الله، وظلا يتجولان بالسيارة ما يقرب من أربع ساعات بالقاهرة القديمة وشوارع الحسين والدرب الأحمر والجمالية شارحاً له منازل الأسرة، مروراً بشارع سوق السلاح والسيدة زينب والسيدة نفيسة، رضى الله عنهما، وجامع السلطان حسن وجامع الرفاعى ودخولاً على المقابر فى عدة أماكن.. وشرح أستاذنا قصص حوارى هذه المناطق، فهذه حارة «الصايمة» وهذه «حارة الوداع» لأنها تشهد آخر خطوات المودعين والحاضرين للجنازة.

وهذه مقابر باشاوات كم غيروا فى التاريخ وأحياناً فى الجغرافيا.. إن هذه الأماكن والشوارع والحوارى كنز ومتعة لا تضاهيها سياحة أخرى للروح والنفس المطمئنة.. إنها نهاية مشوار الحياة مهما طالت وراحة النوم مهما كثرت الذنوب لأن الله غفور رحيم، ولا تتطلب سوى الاستعداد واليقين للعمل الصالح، حتى ندخلها بسلام آمنين، كما كتب أستاذنا على قبره بنفسه «ادخلوها بسلام آمنين».. فى هذه المقابر بمنطقة السيدة عائشة رضى الله عنها وحتى أصل للقبر بمفردى وفى وسط الميدان سألت «أين الست أم هانى» فتزاحم أهل المنطقة والعاملين فيها ليدلونى عليها حتى إنهم وصلوا سيراً على أقدامهم بجوار السيارة معلنين للجالسين والعاملين بالمنطقة قائلين «وصلوها لأم هانى» وكأنها «نار على علم»، ترجلت، ووجدت نحو 70 شاهداً لمقابر ثم عدداً من الأحواش الأنيقة تنطق المنطقة بالنظافة وبها لمسة إنسانية نسائية فريدة حيث تم تثبيت أوانٍ فخارية أنيقة على كل شاهد مملوءة بالحبوب وأخرى للمياه صدقة للطيور التى لا تنقطع أصواتها الجميلة وكأنها تغنى لمن يُدْفن وتواسى من يَدْفن المكان بلغة الرضا والتسليم بقدرة وقدر الله عز وجل، ولم ألحظ فيه رائحة الموت أبداً، والتى تطاردنا عندما ندفن الأموات.. بعد نحو 400 متر وجدنا الست أم هانى تستقبلنى وكأننى ضيفة عزيزة عليها وتعرفنى جيداً، فسألتها ألم أرك من قبل، فقالت لى «إن أستاذك حسين بك حدثنى عنك كثيراً، وقال لى سوف تسبق المعزين كلهم لأنها وفية لكل ما تعرفه من البشر».

وتصمم على تقديم الشاى أو القهوة لحين وصول أستاذنا لمثواه.. تعجب لحديثها عن أستاذنا حيث بنى قبره وأشرف على كل صغيرة وكبيرة ببساطة واهتمام لأنه المقر الدائم، وكم حرص على الصلاة بداخله وقراءة القرآن عليه، أما صداقاته بالمقابر فهى لا تعد ولا تحصى، الكل يعرفه فكم سهر معهم وواساهم وخدمهم فهم على حد تعبيره جيران الهنا وسيسمعونه التواشيح التى يحبها للشيخ النقشبندى وأغانى أم كلثوم وعبدالوهاب وإلى عرفات الله وسورة يوسف للشيخ عبدالباسط عبدالصمد.

أم هانى تشرف على المقابر مع ابنها الذى توارث هذه المهنة الدقيقة والضرورية التى تمارس لله أولاً والبشر ثانياً.. وتزوجت بنفس المنزل بالمقابر وترملت وعمرها 23 سنة وربت ثلاثة أولاد وبنتاً كان عمرها 9 سنوات لدى وفاة والدها محمود سعدون عليه رحمة الله.. وبالرغم من أن أم هانى ترابية ناجحة وست بشوشة وتخدم الجميع وتحسن لقاء كل من يزورها إلا أن الدولة لا تسمح حتى الآن بالمرأة الترابية، لماذا لا أعرف.. أليست المرأة هى التى تنجب التربى؟