رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

تعرضت مصر لعدة موجات لوباء الكوليرا فى 1831 - 1833 - 1855 - 1865 - 1883 - 1895 و1902 وفى كل تلك الهجمات كانت مواكبة لموسم الحج عدا 1883 و1895 فقد جاءت نقلا عن عدوى لقادمين من الشرق الأقصى حيث موطنها الأصلى فى الهند والصين وشرق آسيا.

وفى مصر تمكن العالم الألمانى كرخ عند قدومه للإسكندرية فى 1883 من اكتشاف لقاح الكوليرا وقد عرفت مصر نظام العزل منذ الهجمة الثانية وأقامت معزل الطور التاريخى للقادمين مع مواسم الحج والسفر وغيره من المعازل واستطاعت تلك المعازل أن تقوم بدور تاريخي ضخم فى حماية مصر والعالم من انتشار الوباء الذى ظل عاجزاً عن اقتحام مصر حتى عام 1947 مع هجومه الأخير علينا فى ظل حكومة النقراشى وكان وزير الصحة هو د. نجيب إسكندر.

ظهرت أولى الحالات فى وباء 1947 فى 22 سبتمبر فى قرية القرين بالشرقية مركز أبوحماد القريبة من معسكرات الإنجليز بالتل الكبير، وهى أيضاً السوق الرائجة لتجارة البلح الحيانى فى موسمه فى شهرى 9 و10 من كل عام، فكانت بؤرة العدوى والانتشار إلى محافظات الشرقية والدقهلية والغربية ومنها إلى وجه بحرى والعاصمة ثم وصولاً إلى صعيد مصر وفى كافة الأوبئة السابقة تمكنت الأجهزة المسئولة من تحديد مكان وطريقة وصول العدوى ومحاصرتها فى غضون أسبوعين على الأكثر، إلا أنه فى هذا الوباء قد تأخر الأمر إلى نحو ثلاثة أشهر، وعليه فقد تقدم الشيخ محمد فؤاد سراج الدين رئيس الهيئة البرلمانية للوفد باستجوابه الشهير إلى حكومة النقراشى واضعاً النقاط على الحروف ومسلطاً الضوء على الخلل فى الإجراءات فى استجواب حفظه التاريخ وتابعته جموع المصريين لما للأمر من أهمية بالغة متعلقة بمصائر وحياة المواطنين وسلامتهم.

وفى استجواب سراج الدين الخطير فى 3 ديسمبر 1947 صرح بأن محجر الطور كان حصنا منيعا لمصر وأنه طبقاً لاتفاقات معاهدة الصحة العالمية يحظر على الطائرات القادمة من أماكن موبوءة النزول إلا فى مطارات بها معازل صحية وأنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اجتمعت لجنة الصحة بجامعة الدول العربية وأقرت عزل الحجاج القادمين فى معازل وإجراء فحوص بكتريولوجى لمدة خمسة أيام فى ميناء القيام وقد توافقت الدول العربية على ذلك ورفعت الأمر إلى اجتماع المكتب الدولى للصحة بباريس أبريل 46 ومثل مصر والدول العربية د. محمد خليل وكيل وزارة الصحة لشئون الحجر وقد اعترضت الدول المهتمة بشأن السفر والانتقال وفى مقدمتها الهند وإنجلترا لما يمثله من عبء كبير فى تكلفة أعمال العزل وكان مطلب مصر يعنى غلق كافة منافذ تسرب الأوبئة وطلبوا التأجيل إلى أبريل 47، وفى 4-47 توصل المجتمعون إلى ضرورة حصول تطعيم قبل ثمانية أيام من السفر وأسقط الفحص البكتريولوجى فاوما د. خليل للخبير الهولندى الشهير فان أوغيم بكارثية الإسقاط فعاد مصراً عليه فأقرت اللجنة البت فى شأن الفحص إلى نوفمبر 47، وفى اعقاب انتهاء الحرب عادت أمور مراقبة الطائرات الى مجراها الطبيعى، ولكن بريطانيا قامت بإنزال جنودها وطائرات حليفة لها فى مطارات تابعة لها غير خاضعة للمراقبة فى فايد فقام رئيس الوزراء بالاحتجاج على نزول طائرة فرنسية بعيداً عن المراقبة ولم يشر إلى طائرات إنجلترا وفى منتصف أغسطس حصلت الهند على استقلالها الذاتى من الإنجليز، وأيضاً بدأت تتواتر الأخبار عن انفجار وباء الكوليرا فى الهند والبنجاب وباكستان وكانت إنجلترا تقوم بنقل قواتها إلى قاعدة قناة السويس كمحطة وسيطة فى الانتقال بعيداً عن الرقابة المطلوبة والمحددة قانوناً إلى أن تم إصدار أوامر إنجليزية بزيادة الكلور فى مياه الشرب بالمعسكرات مما يعنى ثبوت حالات كوليرا، وهذا ما حدث مع وفاة جنديين إنجليزيين فى 11 سبتمبر، وقد نفت بريطانيا فى حينه صلة الوفاة بالكوليرا، بل إن أمريكا أشاعت عبر مراسليها الصحفيين قيام روسيا بحرب بكتيرية ونشر وباء الكوليرا، ثم كانت إصابات قرية القرين المتاخمة لمعسكرات الإنجليز!

وقد أدان سراج الدين عدم اتخاذ الحكومة الإجراءات الفعالة منذ منتصف أغسطس مع انفجار وباء الكوليرا بالهند المتصلة بنا بحراً وجواً كما هو معلوم، وأهملت الحكومة فى العزل الكامل للقرين وقطع طرق المواصلات عنها فكان انتشار المرض فى ظل التباطؤ ولم تقم الحكومة بشراء محصول البلح من الفلاحين لوقف الأسواق وأعمال الانتقال والتهريب له لأعمال البيع وتضييق دائرة التعويضات للعمالة الموسمية فى المناطق الموبوءة لنجاح وجدية أعمال العزل، فضلاً عن التأخر أيضاً فى إغلاق منافذ الوصول إلى الصعيد وتأخر توفير اللقاح وتوزيعه فى مختلف النطاقات.. إلخ ولا شك أن استجواب سراج الدين كان تعبيراً دافقاً عن موقف الوفد الدائم فى الدفاع عن الوطن والشعب والصالح العام والصحة والسلامة العامة لعموم المصريين، ومن الغريب أن يختفى هذا الاستجواب الشامل فى غياهب الظلام والنسيان كسير طبيعى لكافة حلقات تاريخنا الوطنى وإضاءاته المتعددة كان الوفد وزعماؤه هم أبرز علاماته.. وقى الله مصر وشعبها والعالمين كل شر وسوء وحفظ الله شعبنا الكريم.