رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

القارئ للتاريخ عبر مختلف العصور، خصوصًا الحديث والمعاصر، يلاحظ أن العالم مرَّ بالعديد من الأزمات والأوبئة التي خرج منها سالمًا، رغم أنها خلَّفت وراءها آثارًا كبيرة، على جميع الجوانب الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

منذ عدة أشهر، لا يزال وباء كورونا يثير الرعب، بعدما تجاوز عدد ضحاياه «حتى كتابة هذه السطور» 65 ألفًا، وإصابة أكثر من 1.2 مليون شخص، فى 190 دولة، ليتصدر أعظم الكوارث التي تعصف بالبشرية في القرن الحادى والعشرين.

هذه الكارثة قد تكون مختلفة عن غيرها، خصوصًا أنها لم تستثنِ دولة أو منطقة، ولم ينجُ منها إلا القليل النادر، ولذلك فإننا مقبلون على آفاق عصر مختلف، أو تشكل نظام عالمي جديد، سوف تتضح معالمه قريبًا، بصعود إمبراطوريات وأفول أخرى، وتفكك وانهيار تحالفات دولية وإقليمية، كانت قائمة قبل «كورونا».

نتصور أن آفاق العصر الجديد في السيطرة والسيادة والنفوذ، ستعتمد على عدة معايير، يأتي فى مقدمتها التعليم والبحث العلمي، والقدرة على الإنفاق عليهما بسخاء، بعد أن غيَّر فيروس كورونا خارطة العالم بشكل غير مسبوق، وبالتالي سيتحول الصراع بين الدول الكبرى إلى سباق عسكري «بيوتكنولوجي».

من خلال متابعتنا، على مدار الساعة، لتفشى هذا الوباء اللعين، لاحظنا أنه فى الوقت الذي قام فيه الساسة بإغلاق الحدود، سارع الباحثون والعلماء لتحطيمها، وتخطى تلك الحواجز، لخلق تعاون دولي في مجال الأبحاث العلمية، لم يحدث مثله في التاريخ.

باعتقادنا، يمكن بسهولة رصد انشغال الباحثين والعلماء في كل أنحاء العالم على موضوع علمي واحد، وبإلحاح شديد، بدافع من الرعب والقلق اللذين يسيطران على البشرية.. الجميع تخلوا عن فكرة السبق البحثي، من خلال توفير نتائج أبحاثهم ودراساتهم على الإنترنت قبل نشرها في المجلات العلمية المتخصصة.

هؤلاء العلماء يبذلون قصارى جهودهم للتوصل إلى لقاح ينقذ البشرية من هذا الوباء الفتاك، غير عابئين بالانتماءات الوطنية، أو الحدود الجغرافية، لتذوب فوارق اللغة والدين والقومية، ما يعكس طبيعة مجتمع الباحثين، في تكرار لما حدث من تعاون علمي دولي إبان انتشار الإيدز في تسعينيات القرن الماضي.

وبرغم وجود تباعد اجتماعي بين العلماء، فإن التكنولوجيا أسهمت في مشاركة المعلومات والأبحاث، وهذا يبدو واضحًا عندما حدد الباحثون وشاركوا ما كشفوه من الجينات الفيروسية، ثم الإعلان عن إجراء مئات التجارب السريرية، بتعاون مستشفيات ومختبرات علمية من كل أنحاء العالم.

نعتقد أن الإيجابية الوحيدة التي حققها فيروس كورونا هي «جماعية البحث العلمي»، وتراجع السرية التي عادة ما كانت تغلف الأبحاث العلمية.. الجميع قام بتنحية التقدم الأكاديمي جانبًا، والتمويل والترقيات والمجد الشخصي، لأن الأمر يتعلق بإنقاذ البشرية.

إذن، بشكل أو بآخر، كان لوباء كورونا الفضل في أن كثيرًا من العلماء والباحثين حول العالم، استعادوا جزءًا كبيرًا من إنسانيتهم وقيمهم، فتحرروا من أنانيتهم وغطرسة الذات المنتفخة فيهم، غير مكترثين بالشهرة أو المال، أو أرباح واحتكار مافيا شركات الأدوية العالمية.

أخيرًا.. في ظل ترقب عالمي، انتظارًا للقاح يضع حدًا للوباء، نعتقد أن أفضل استثمار «مضمون ومربح» للدول على الإطلاق، يكمن فقط في مجال البحث العلمي، رغم أن النتائج المرجوة قد تستغرق وقتًا قبل بلوغها، وربما تواجه عقبات أو أزمات كبرى، لكن الأحداث المصاحبة لانتشار «كورونا»، أكدت أن المجتمعات المتقدمة هي التي تستثمر في الإنسان والعلم.

[email protected]