رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

سعدت الأيام الماضية بأنه أخيرا وبعد طول تمن تحققت رغبتى فى أن أزور واحة سيوة التى طالما اشتقت لزيارتها فى ظل التغنى بها من قبل كل من زارها. فقد قادتنى قدماى إلى هناك ضمن مجموعة من محبى التجوال والسفر والرغبة فى أن نعرف بلدنا. كان انطباعى الأول حتى قبل الوصول هو أن الطريق إلى سيوة طويل ويزيد من حدة الشعور بطوله حالته السيئة فى ذلك الجزء الذى لا بد للمسافر من خوضه بعد مرسى مطروح.

صحيح أن المسافة غير عادية وتصل لنحو 800 كيلو متر تقريبا، إلا أنها إذا ما كانت على طريق سهل وسلس فربما أمكن قطعها فى نحو ست أو سبع ساعات، غير أنه على الحالة التى عليها فقد قطعتها الحافلة التى أقلتنا فى أكثر من عشر ساعات. كان ذلك للأسف محور الحديث مع كل من التقيناه بعد ذلك من أهالى سيوة حيث كانت الشكوى مرة من الطريق خاصة التأثير السلبى للشاحنات التى تمر عليه بكثافة وبشكل يومى مما أدى إلى تدهوره بشكل يفوق الوصف.

كان من الأشياء المثيرة للدهشة ما ذكره لنا البعض من السكان عن وجود طريق آخر مختصر ويصل طوله حسبهم لنحو 450 كيلو مترا من القاهرة وأفضل كثيرا من الطريق محور الحديث، وهو ما يمكن أن يوفر زمن الرحلة إلى أقل من النصف، وإن كان الطريق مغلقا لأسباب أمنية. وقد باءت المساعى التى بذلتها للتيقن من صحة هذا الأمر من خلال رئيس مجلس مدينة سيوة بالفشل، الأمر الذى ربما كان يمكن أن يمثل توضيحا مهما يتعلق بجانب بالغ الأهمية بشأن تنمية سيوة فى ضوء حقيقة دور الطرق فى تيسير مهمة العمران، والتى على أساسها يأتى برنامج الرئيس السيسى الذى يقوم على توفير شبكة طرق متميزة تربط جميع مناطق الجمهورية بعضها ببعض بكل سلاسة وسهولة.

رغم أن الإطلالة الأولى للمدينة بما عليه من عشوائية تشير إلى أن عنصر التخطيط غير موجود وربما ليس هناك معرفة بوجوده من الأصل، فضلا عما قد تصيبك به من صدمة،  تجعلك تتساءل عن السر فى تحمل عناء كل هذه المسافة لزيارة مدينة على هذا النحو، إلا أن جولة فى الواحة وفى مختلف جنباتها ستجعلك تدرك أن ذلك الانطباع كاذب. فالواحة تملك من الآثار السياحية الكثير الذى يجعلها قبلة لقطاع لا يستهان به من السياح سواء من الأجانب أم المصريين، مثل معبد الإسكندر ومعبد آمون وجبل الموتى وقلعة شالى وغيرها الكثير. غير أن ما يصيبك بالحسرة أن يد الإهمال هى صاحبة الهيمنة والسطوة بشكل يجعلك تشعر وكأنك فى منطقة ما زالت – على صعيد الاهتمام الرسمى  - منطقة بكر لم تصل إليها يد العناية الحكومية بالشكل الكافي، حيث عدد الفنادق غير كاف، والخدمات التى يمكن أن يلقاها السائح بالغة المحدودية.

يزداد إحساسك بالحسرة على الواحة وحالة الإهمال التى ترفرف على أجوائها، عندما تعيش أجواء الطبيعة الخلابة والجميلة هناك سواء على شواطئ بحيراتها أو أجواء النخيل التى تمثل السمة العامة لكل الواحة ويمثل التأمل فيها أو النظر إليها راحة للنفس وعودة بالمرء إلى حالة الفطرة الأولى. إن بيئة مثل تلك لم يكن من الواجب تركها دون استثمارها فى تحويلها لبقعة تمثل جنة الله على أرضه بحيث تجذب الواحة أضعاف عدد سكانها البالغ 35 ألف نسمة من السياح.

ومن مفارقات القدر أنه إذا كنا نعانى نحن أبناء وسكان الوادى والدلتا من نقص المياه فإن واحة سيوة ربما تعاني، حسبما أكد لنا سكانها، من وفرة المياه إلى الحد الذى تتسبب فيه هذه الوفرة فى مشاكل عديدة للأهالى وتؤثر على بيوتهم والتى ربما يسبح بعضها فوق مياه لا يتم استغلالها، حيث تنعم سيوة بعدد كبير من الآبار وعيون المياه التى تغنيها مائيا وتزيد فيتم توجيهها لخزانات مختلفة فى مناطق عديدة بالواحة وهو ما يعنى إمكانية التوسع الزراعى بها خاصة فى الزراعات التى تتميز بها وعلى رأسها النخيل والزيتون.

شملت زيارتنا بحيرة الملح والتى توفر مصدرا كبيرا لاستخراجه وتصديره الأمر الذى زادت وتيرته بعد 2011 وأصبح مصدرا اقتصاديا ورزقا وفيرا للواحة، وإن كان فى الوقت ذاته مصدر إزعاج بسبب ما ألحقته الشاحنات التى تنقل ذلك الملح من ضرر بالطريق إلى حد يمكن القول بأنها قضت عليه تماما. يضاف إلى ذلك باقى المصادر الاساسية للواحة من السياحة والنخيل والزيتون، ربما يعزز قدراتها ويزيد من أهميتها ويفرض المزيد من العناية بها والقيام على تيسير تواصلها مع باقى أنحاء الوطن.

باختصار ودون إطالة فإن سيوة ربما تمثل عنوانا لمصر وحالها، فرغم المميزات العديدة التى حبانا الله بها – سواء مصر أو الواحة – فإننا نبدو غير قادرين على الاستفادة من هذه المميزات. أذكر أن دولا لا تملك ربع ما نملكه من مقومات سواء فى سيوة أو غيرها، وأقامت الدنيا ولم تقعدها بأعمال صناعية تحاكى بها نظيراتها التى تتوغل بتراثها فى أعماق التاريخ.. فهل يمكن لنا أن نأمل أن تنال سيوة فى يوم قريب الاهتمام الذى تستحقه؟ دعونا نحلم .. فذلك هو الأمر الوحيد الذى نملكه!

[email protected]