رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لو أن لصاحب هذه السطور قارئًا ولو واحدًا فقط فإنه لا شك قد يعبر عن دهشته مما قد يراه تحولا فى اهتماماته من خلال هذا المقال، فهو فى المجال الفنى الذى اعترف بأنه لا ناقة لى فيه ولا جمل. والخوض فيه ليس رغبة فى منافسة أحد من الزملاء الذين لهم باع طويل، أو حتى الادعاء بأننى شمولى فى الكتابة، وأعرف كل شيء ولكنه قد يكون كما يقول المثل «قصر ذيل» أو أن مجال الكتابة الذى أجيده قد أصبح ضيقا ولم يعد بالإتساع الذى كان عليه من قبل. أيا كان إذا لم يعجبك ما تقرؤه فى هذا الحيز، أعتذر لك مقدمًا عن ما ضيعته لك من وقت فى قراءته.

فأنا أحب السيما، ولذلك فإننى أحرص على متابعة الأفلام الأجنبية بشكل شبه منتظم، علاقتى بالتليفزيون تكاد أن تقتصر على متابعة قناة «إم بى سى تو» بين فترة وأخرى لاختيار ما هو جيد بالنسبة لى من أفلام، أو موقع «نتفليكس» حيث أحرص على الاشتراك فيه بشكل غير منتظم تجنبا لضياع جزء كبير من وقتى فى متابعته. قلة من الأفلام هى التى تترك أثرا لدى وتتركنى فى حالة تأمل بعد مشاهدتها ليس للحظة وإنما قد يستمر الأمر لفترة غير قصيرة، غالبا لموضوعها وليس للجوانب الفنية فيها.

من هذه الأفلام التى استوقفتنى كثيرا ذلك الذى شاهدته على «إم بى سى تو» منذ فترة وأعادت عرضه أكثر من مرة ولا أشعر بالملل لو شاهدته مرارا رغم أن ذلك ليس من عادتي، فيلم تحت عنوان «عمر أدلاين»، أو سنوات أو حياة أدلاين. فكرة الفيلم غريبة وتعبر فى رأيى عن طبيعة العقل الغربى الذى لا تقف أمامه المحاذير فيخوض فى أى شئ وبأى طريقة. طبعا للأمر سلبياته وإيجابياته وإن كانت الأخيرة فى نظرى أكثر بكثير من الأولى.

الفكرة خيالية ويحاول الفيلم أن يجد لها أساسا علميا وتقوم على افتراض إمكانية أن يحدث تحت ظرف معين توقف للخلايا التى تؤدى إلى الشيخوخة.. هذا هو ما حدث مع الفتاة أدلاين بالضبط.

دون خوض فى السبب العلمى الذى لن أجيد شرحه تفاجئ أدلاين بأنها لا تكبر فتشعر بالغربة مع المجتمع الذى نشأت فيه فتهجره وتظل فى حالة هروب مستمر وعندما ترتبط بالزواج وتنجب فتاة تكبر الابنة فيما تظل الأم على حالها، وينعكس الحال لدى المشاهد فتصبح وكأن الابنة أما والأم ابنة!

على هذا المنوال تعيش أدلاين لاهية فى غمار مسار الحياة، تحاول أن تتكيف مع مفاجآت الأيام ومفارقات بقائها شابة فيما رفيقاتها وكل من حولها يكبر ويرحل من يرحل ويشيخ من يشيخ، فيما هى محتفظة بجمالها ورونقها الآسر الذى يخلب لب كل من يراها!

إلى أن تقع الواقعة، وتقع أدلاين نفسها فى علاقة ارتباط مع شاب يبادلها مشاعر الحب، ويرغب فى تقديمها إلى أسرته وهنا تكون الطامة الكبرى، فأبوه ذلك الرجل الطاعن فى السن والذى يقوم بدوره فى الفيلم الفنان القدير هاريسون فورد، هو ذلك الشاب الذى كان فى يوم من الأيام على ارتباط بها ورغب فى الزواج بها ولكنها هربت فجأة بعد أن حدث لها ما حدث من توقف تقدم الحياة بها. لم يصدق الرجل على وقع المفاجأة نفسه وراح يكذب عينيه محاولا تصور أنها ليست هي، فيما تبادر أدلاين بالادعاء بأنها ابنة السيدة التى يقصدها والد فتاها.

من مجموع المفارقات يدرك والد خطيبها أنها هى ذات الشخصية التى أحبها ويصارحها بالأمر، فتقرر الرحيل لأنها لا تريد أن تفشى سرها لأحد وفى رحلة الهروب يقع لها حادث تنشط معه خلايا الشيخوخة من جديد دون أن تدرى أدلاين.

بعد عودتها للفتى الذى أحبته ولدى خروجهما فى أمسية تفاجأ أدلاين بخصلة من خصلات شعرها وقد تسلل إليها المشيب. فى لحظة تأمل لمظهرها تبدو علامات الارتياح على وجه أدلاين لعودتها إنسانة عادية تسرى عليها قواعد الناموس التى يمر بها كل إنسان على وجه الارض وأنه سيأتى عليها اليوم الذى سترحل فيه عن هذه الدنيا بدلا من تلك المأساة التى تعيشها مع أناس يرحلون جميعا ويتركونها وحيدة كأنها شاهد على الدهر! فى حالة غير طبيعية يتيقن لك من سياق الفيلم كم هى حالة غير مريحة للإنسان.

إنها حالة تحولت معها أدلاين – وكل أدلاين على شاكلتها لأى سبب من الأسباب سواء لشيخوخة أو لمرض أو غيرهما – إلى مرحبة بفكرة مفارقة الحياة والاستعداد للرحيل عنها بالموت.. ذلك الموت الذى يقضى الإنسان جانبا كبيرا من عمره فى السعى لمقاومته ومواجهته وتأخير زيارته له إلى أطول مدى ممكن.. درس الفيلم ، بعيدا عن أى رؤى فنية ، هو تحول الموت، ذلك البعبع الذى يتمنى الإنسان رحيله عن خياله، إلى مطلب ضرورى للتخلص من الحياة التى أصبح استمرارها عبئا عليه وعلى من حوله!! اللهم احفظنا ولا تجعلنا نصل لمرحلة أن تكون الحياة عبئا علينا أو نكون عبئا عليها أو على أحد!