رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

فى 12 يوليو 2019.. رحل فنان فى صمت دون أن يودع محبيه، ودون أن يعطى فرصة لمحبيه أن يودعوه.. رحل الفنان والموسيقى المبدع «أحمد خلف» (61 عاماً) والذى كان وجوده فى حياتنا وكأنه من الأمور العادية التى نعرف إنه فى مكان ما حتى ولو لم نلتق لسنوات، لكنه فى الوجود، كمثل حضور أقرب الناس إلينا فى حياتنا، الذين لا ندرك غيابهم غير العادى إلا حين يغادرون فجأة بدون وداع!

وفى شتاء عام 1986.. كنت أبحث عن الهواة فى المسرح ليحكوا عن معاناتهم وتجاربهم لأكتبها فى تحقيق صحفى لمجلة « صباح الخير»، حيث كنت محرراً تحت التمرين.. وذهبت إلى مسرح السامر بالعجوزة.. هذه الخيمة العملاقة التى كانت كطائر رخ اسطورى أنهكه التعب فحط على ضفة النيل الصغير بجسده المتعب وهو يحتضن تحت جناحيه كل أبناء الفقراء الموهوبين والمهمشين والمنسيين فى النجوع والقرى بالصعيد والدلتا، وكل المبعدين عن دوائر المسرح الرسمية، والمنفيين من جنة المسرحيين المحترفين.. وكذلك الموظفين والفنيين والعمال الذين لم يكن لهم سوى « السامر» من مأوى.. وليس لهم غير مساحة خشبة مسرح الجماهير، من مساحة وحيدة تحتمل أحلامهم التى تجاهد أن تكون واقعية، وجنونهم العفوى الذى يحارب ليكون عقلانياً.. بين هؤلاء جميعاً التقيت «احمد خلف» وكان العود يحتضنه!

وفى خريف عام 1997.. حاولت إجراء حوار مع الفنان « أحمد خلف» كصديق ابحث له عن حق الوجود بين كبار الملحنين، ليحكى تجربته مع موسيقى المسرح وليس المسرح الغنائى، ذلك الشكل المتعارف عليه منذ بدايات المسرح المصرى، لأنه من الفنانين القلائل الذين اجادوا فى «مسرحة» الموسيقى، أو «موسقة» المسرح، وكنت متصوراً أن من حق موهبته أن تكون فى الصفوف الامامية مع كبار المسرحيين.. ولكنه رفض بخجل الزاهد والعارف بمكانه الحقيقى بين جوقة نادرة من الموسيقيين الذين يجيدون المزج بين الجمهور والمسرح المتمرد عن المألوف، ويعرفون قيمة الغناء المقاوم لكل ما هو مبتذل ورخيص وتافه.. وفى مقدمتهم الامام الشيخ إمام، وعدلى فخرى وحمدى رؤوف، وعطية محمود، ومحمد عزت.. وأحمد خلف، الذي تميزت ألحانه بالحس الدرامى وجعلها خطاً درامياً موازياً للنص، وروحاً وطاقة تنافس الشخوص المسرحية فى حضور طاغ على الجمهور.. حيث يُعد أحمد خلف أحد أبناء الثقافة الجماهيرية، وصاحب مشوار طويل فى مجال الموسيقى وقام بتلحين قصائد الشاعر أمل دنقل ومنها «الكعكة الحجرية»، وهو أحد الخبراء الموسيقيين بالثقافة الجماهيرية، وكان يقود فرقة النيل للآلات الشعبية!

فى صيف عام 2015.. التقيته بالصدفة ولا أعلم أنها آخر مرة، وروى لى بفرح طفولى عن أوسيم بالجيزة ومنزله وأسرته الصغيرة هناك.. وأخفيت عنه أسئلة عن السبب الذى يجعل رجلًا نشأ وعاش أجمل سنوات عمره على بحر مدينة تاريخية وسياسية مثل بورسعيد ليعيش فى إحدى قرى الجيزة بين الترع والزراعات.. وحكى يومها كثيراً، وكأنه فى حوار فردى، عن أحلامه فى المسرح والموسيقى والغناء.. وشعرت بأنه فى منولوج حزين يواسى نفسه أكثر من أنه يروى ما فاتنى من لحظات حياته.. ثم توقف فجأة واحتضنه العود، وفى أنين عدودة الجنائز بالصعيد بدأ بصوت مشروخ فى الغناء الذى لم يتوقف عنه حتى وفاته صباح الجمعة 12 يوليو الماضى فى أوسيم بعيداً عن.. بورسعيد!

[email protected]