رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

السلطة هي القوة، هي النفوذ، هي التي تحدد مسار المجتمع والفرد، وعلى ذلك قد تصل سطوتها إلى حد صياغة عقول من ينضوون تحت لوائها وتشكيل نظرتهم للحياة. ذلك هو ديدن الإنسان منذ أن وجدت ظاهرة السلطة في شكل مجتمع بشري تطلب وجود قوة تتجاوز إرادات الأفراد لتكون الحكم بينهم.

وعلى ذلك، فليس من الصحيح تماما تلك المقولة التي تذكر أن التاريخ يكتبه المنتصر، وإنما التاريخ تكتبه السلطة أيضا حتى لو لم تكن طرفا في أي انتصار، فنحن نرى بعينها ما تراه وما تسمح لنا أن نراه، والأمر في ذلك ليس خاصا بمجتمع ما وإنما هو طابع عام لأي تجمع إنساني. صحيح أن تطورات العالم الذي نحياه تجعل هناك فروقا «فردية» بين مجتمع وآخر ترتبط بمدى التقدم غير أن هامش دور الفرد أو حتى المجتمع في هذه الحالات يبقي بالغ المحدودية.

مرت هذه الخواطر على ذهني عندما قرأت الأخبار التي تصدرت الصحف بشأن التحقيق مع الرئيس السوداني السابق البشير في تهم فساد، وغسل الأموال وحيازة أموال ضخمة تمهيدا للمحاكمة بعد أن تم اعتقاله وهي التطورات التي جاءت على خلفية ما يمكن وصفه انتفاضة شعبية ضد نظام حكمه. وهي ذاتها الإجراءات التي ستمتد لتطال كل رموز النظام السابق في سلسلة طويلة من المحاكمات التي قد تمتد لتشغل الساحة السودانية طويلا على غرار الحالة التي عشناها في مصر مع مبارك ورموز نظامه، ثم مع مرسي وإخوانه.

حتى لحظات قبيل الاستقالة كان البشير في منظور «مؤسسة» السلطة السودانية، التي هو جزء منها ويقبع على رأسها، رمز الشرف والنزاهة، والمواطن المثالي الذي يجب أن يقتدي به كل سوداني يبتغي أن يكون شريفا ومحبا لوطنه. كان بما تتيحه له السلطة من قوة سواء في سياق مجتمعه أو في مواجهة الخارج، ملء السمع والبصر ورغم صدور حكم من المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، إلا أنه كان يتحرك ويطير في الهواء بين دولة وأخرى غير عابئ بمثل هذا الحكم أو غيره.

كانت الأموال التي يحوزها ينظر إليها على أنها من عرق جبينه، وحصاد تعبه وعرقه وشقاه في الدنيا، بمعنى أنها حلال مائة في المائة ولا تشوبها شائبة من أي حرمانية! ومن المؤكد أن البشير لم يرد في ذهنه في يوم من الأيام أنه يغسل أموالا، وأن أي عملية غسيل تتم في منزله لا تتجاوز غسل ملابسه وملابس أسرته.

هل يعني هذا أن الفساد نسبي؟ بمعنى أن ما أراه أنا وأنت على أنه فساد، يمكن لشخص مثل البشير أن يراه على أنه غير ذلك؟ ولو أنه كذلك، نسبي، فما هي حكاية الرائحة التي تزكم الأنوف للفساد.. تلك الرائحة.. مع الاعتذار لصنع الله ابراهيم، التي يتحدثون عنها؟ ولماذا لم يشمها البشير؟ ولو أنه - الفساد - ليس نسبيا، فماذا كان سيكون مصير البشير لو لم يقدم على استقالته ولو لم تحدث الانتفاضة ضد نظام حكمه؟ هل كان البشير سيكون في نظر «السلطة» السودانية فاسدا؟ أم أنه كان يعلم أنه رئيس فاسد يدير نظاما فاسدا ويتبني الفساد ويتستر عليه لأن ذلك من طبائع الأشياء في دول العالم الثالث؟ وماذا عن السلطة الجديدة في السودان التي تبرأت من فساد البشير ونظامه، كيف نضمن ألا تنخرط هي ذاتها في فساد تراه هي، انطلاقا من أن الفساد نسبي، أنه ليس فسادا!!

ألست ترى معي بناء على ما سبق أننا في نظرتنا للفساد أو غيره لا نفعل ذلك سوى ونحن نضع على أعيننا نظارة السلطة، وأننا لسنا سوى «إمعة» نميل معها أينما مالت؟ إذا لم تتفق معي أرجو أن تقرأ المقال من الأول!

[email protected]