الناصية
خلال حرب الاستنزاف، بعد هزيمة القيادة عام 67، أمام إسرائيل والشعب المصرى أيضاً، كانت الجريمة بكل أنواعها فى أدنى مستوياتها، وكادت تكون منعدمة ً فى حرب النصر العظيم للجندى المصرى عام 73!
ومن المؤسف، ونحن نودع مواكب أجمل شبابنا فى حربه ضد الإرهاب هذه الأيام، لا تتوقف مواكب الفاسدين أيضاً فى غزو معظم الوزارات والمصالح الحكومية.. ففى الوقت الذى نشعر فيه بالفخر الممزوج بالحزن والمرارة على تضحيات أنبل ما فينا بأرواحهم لحماية بلدهم، وفقدان عشرات الأسر لأبنائهم.. لا يشعر العشرات من الفاسدين بالخزى وهم يسرقون قوت الناس ومقدرات الدولة رغم كل المعاناة الاقتصادية التى يعيشها الملايين من هذا الشعب!
وأعتقد أن الفساد فى الستينيات والسبعينيات، كان أيضاً محدوداً ومحاصراً إلى حد كبير.. ولكن مع نظام مبارك، ومع تفشى حالة الفساد، التى لن لا يستطيع أحد أن ينكرها لأنها دامت لا يقل عن عشرين عاماً من الثلاثين عاماً التى حكم فيها هذا النظام مصر!
إن هيئة واحدة من هيئات مكافحة الفساد، وهى هيئة الرقابة الإدارية نجحت بمفردها خلال شهر واحد فقط، وهو شهر يناير 2019 فى الكشف عن العديد من قضايا الفساد، وبرغم أنها نجحت فى الكشف عن هذه الجرائم، ومع ذلك فهى تعكس حجم الفساد المتزايد الذى لم يتم الكشف عنه.. ففى مجال ضبط القضايا الجنائية نجحت الهيئة فى تنفيذ عدد (42) قضية جنائية مباشرة وعدد (5) قضايا محولة بواسطة المسئولين فى الدولة وتم عرض من خلالهم عدد (124) متهماً على النيابات المختلفة، بالإضافة إلى مواجهة انحراف عدد (141) موظفاً عاماً!
وإذا تجاوزنا عن القضايا التى فى حدود (100 ألف جنيه) فإن الهيئة حققت عوائد مالية لخزانة الدولة بقيمة نحو (379٫58) مليون جنيه نتيجة الكشف عن المخالفات فى المجالات المختلفة ومبلغ نحو (451) مليون جنيه كعائد متوقع بعد استكمال الإجراءات اللازمة نتيجة تصويب تلك المخالفات.. ومن الغرائب التى كشفتها الهيئة على موقعها الإلكترونى هذا الشهر، استيلاء موظف سابق بالضرائب وآخرين على قطعة أرض مملوكة للإصلاح الزراعى مساحتها 18 ألف م2 كائنة بمحافظة الجيزة وتبلغ قيمتها نحو (367) مليون جنيه بموجب توكيلات مصطنعة عن طريق التواطؤ مع باحث بمصلحة الشهر العقارى. كما تم الكشف أيضاً عن قيام رئيس مجلس إدارة النقابة الفرعية للعاملين بإسعاف الإسكندرية باصطناع استمارات شراء سلع معمرة من إحدى الشركات مستغلاً أسماء بعض العاملين دون علمهم وقيامه بمهرها بخاتم منسوب صدوره لوزارة الصحة، بالمخالفة للحقيقة للاستيلاء على قيمة تلك المشتريات والتربح من بيعها بنحو (33) مليون جنيه. وأحد موظفى مكتب التأمينات التابع للهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية ورئيس خزينة المكتب وسيدتين بالاستيلاء على مبلغ (13٫5) مليون جنيه من حساب المكتب بأحد البنوك عن طريق استخدام توكيلات مصطنعة والتلاعب فى قيمة الشيكات!
كل هذه الملايين، والمئات من القضايا، فى شهر واحد وبجهود هيئة واحدة فى مواجهة عصابات الفساد، فى الوقت الذى تدور فيه حرب شرسة ضد عصابات الموت.. ألا تحتاج هذه الحالة المريبة إلى التوقف والتأمل، والبحث فى أسبابها.. ألا يشعر أحد بالخجل من الشهداء ويقول لنا ماذا يحدث، ولماذا هذه الحالة من تفشى الفساد، وانتشاره بين كل المستويات، ومن نهم الفاسدين واستفحالهم على كل المستويات؟!