رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هذه ليست سوي خواطر من وحي معرض الكتاب، ففي خلال زيارتي الثانية للمعرض حرصت على اقتناء بعض الكتب التي تبدو مهمة لي، وكان من بينها كتب حديثة يبدو أن هيئة الكتاب حرصت على الإسراع بعرضها ضمن جناحها بالمعرض, وإحياء مشروع مكتبة الأسرة من خلال إصدارها، ومنها كتاب للدكتورة هالة أحمد فؤاد، هو أقرب إلى السفر الضخم وليس الكتاب بعنوان: «التوحيدي .. الغفلة والانتباه».
ما استلفت انتباهي في الكتاب الشخصية التي يتناولها والتي قرأت عنها كثيرا وتدخل ضمن مجال اهتمامي وهي شخصية أبو حيان التوحيدي الذي يعتبر من بين أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخنا الإسلامي، وينظر إليه باعتباره ثالث ثلاثة من الضالعين في الزندقة على نحو ما أشرت من قبل في مقال حول «مفهوم الحج العقلي عند التوحيدي». كان أول من لفت نظري إلي التوحيدي كتابات المفكر محمد أركون، حيث يكاد يتماهي معه إلى الحد الذي يمكنك معه أن تتصور أنه يعتبره الأب الروحي له ويحرص على إيراد عبارة له يراها أثيرة وبالغة الدلالة وهي «الإنسان أشكل عليه الإنسان».
هذا فضلا بالطبع عن تصوري أنني سأقرأ دراسة قيمة لأستاذة للفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة وهو الانطباع الذي تولد لدىّ مما كتبته في تقديم ترجمة لكتاب بعنوان «الصوفيون» صادر عن المركز القومي للترجمة، والدكتورة هالة بالمناسبة لمن لا يعرف زوجة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، وهو الأمر الذي ربما لا تفضل تقديمها علي اساسه باعتبار أن ذلك يلحقها بآخر فيما تحب هي أن تعبر عن ذاتها باستقلالية.
ولأن الكتاب سيدخل ضمن مشروعات القراءة اللاحقة، نظرا لضخامته، حيث يتجاوز الألف صفحة ومن الواضح أنه يمثل حصاد عمر كما تشير المؤلفة، حيث استغرق اعداده وكتابته نحو عشرين عاما، فقد رغبت في تكوين فكرة مبدئية عنه من خلال قراءة المقدمة والتي تصل لنحو 15 صفحة، فكان من اللافت مبدئيا في إطار مناقشة المؤلفة لفكرتها موضوع الكتاب وعرضها لها ذلك الانتقاد الشديد للدكتور يوسف زيدان على بعض مقولاته، بشكل يمثل ما يمكن اعتباره تفكيكا لبنية زيدان العقلية.
حينها تذكرت بعض مواقف وآراء زيدان التي يلقيها يمنة ويسرة بشأن بعض الشخصيات والرموز التاريخية التي رحلت عن دنيانا، ورحت بيني وبين نفسي أتساءل عما يا تري ما هو موقفه إزاء هذه الانتقادات وهل يتقبلها بصدر رحب، أم تراه يصول ويجول ويعتبرها تنال من شخصه؟
ففي معرض تعليقها على بحث للدكتور يوسف زيدان بعنوان: «هل كان التوحيدي صوفيا أم فيلسوفا؟ لا تمرر الدكتورة هالة الأمر مرور الكرام وإنما تقوم بما يمكن اعتباره محاكمة للبحث المشار إليه بعبارات هادئة ثابتة رصينة هي أقرب لعملية قتل بأعصاب باردة. تصف المؤلفة مثل هذا النهج بأنه يعبر عن «هوس تصنيفي»، «ضيق الأفق»، «محدود الرؤية». وفي التفصيل تستعين المؤلفة بنيران صديقة تتمثل في نقد الباحث الدكتور حاتم عبيد لرؤية «زيدان» ويري فيها أن «زيدان» في قراءته لنص الإشارات الإلهية للتوحيدي أخطأ في الحقيقة وأعرب عن «جهل بالأثر» وانقاد إلى تسرع في الأحكام عندما جرد الإشارات من الإحالات والنقول.
وتستطرد د. هالة فؤاد في نقدها لـ«زيدان» فيما يتعلق برؤيته للنص موضع التناول، فيما يشير لمعركة فكرية حامية الوطيس قائلة إن هذا التناول من قبل الباحث للإشكالية التي أثارها ويحاول التدليل عليها إنما هو تناول «سطحي» يختزل النص وكاتبه اختزالا «ساذجا» و«فجا»، حيث لم يستطع الباحث التقاط عمق الكاتب ونصه.
وفي نبرة بالغة الغيرة على الشخصية التي تتناولها بالبحث وهي التوحيدي تضيف الدكتورة هالة فؤاد أن اتهام ذلك المثقف الموسوعي صاحب البيان الفريد والتجربة الإنسانية المعقدة والمتراوحة بعنف بين هوس الدنيا ومشتهي الآخرة بأنه كان يجهل مصطلحات الصوفية الشائعة في عصره ومحيطه الثقافي المتنوع قد يوحي بفقد من ينتقده - وهو يوسف زيدان في هذه الحالة - «البوصلة المعرفية الرصينة»! منتهية إلى أنه لا يمكن اختزال كل هذا الثراء المعرفي والقيمي في ذلك القياس الشكلي «البائس» - من زيدان!
ربما تكون الدكتورة هالة فؤاد، وهي المتخصصة في الدراسات الصوفية، على صواب في نقدها، وربما جانبها الصواب فذلك أمر مما لا يمكن لنا أن نجزم به، غير أن ما يمكن أن نجزم به هنا هو أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وهو الأمر الذي ربما لا يوحي لنا به منطق الدكتور زيدان في مناقشته للقضايا محل اهتمامه، حيث يتعالم، متخليا عن تواضع العلماء، إلى الحد الذي يبدو معه وكأنه صاحب الحقيقة.
بهذه المناسبة تحضرني هنا مقولة لـ«فرويد» في مقدمة كتابه «الطوطم والتابو» اعتبرها نموذجية في الإشارة إلى تواضع العلماء يقول فيها : «إني أعتقد أني أوجدت حلا يكاد يكون نهائيا لمسالة الطابو إلا أن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بالطوطمية والواجب يقضي علي بأن أقول إن الحل الذي ارتأيته ليس سوى حل تسمح به العلوم النفسية في حالتها الحاضرة». بهذه الروح المتواضعة وليس بالغرور أتصور أنني ينبغي أن نتعامل مع كافة قضايانا في الحياة.. وأتصور أن ذلك هو الدرس الذي ينبغي لزيدان أن يدركه!

[email protected]