رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لاأظن - كما لا أتمنى - أن الرئيس السيسى كان غاضبا بحق  حين داعب المواطنين أثناء افتتاحه مشروع بشاير الخير 2 فى الإسكندرية قائلا: حجم النكت اللى طلع على الوزن الزائد فوق الخيال، ومعرفش حيطلعوا نكت إيه النهاردة، وأرجو تنكتوا على مهلكم شوية. فهو يعرف شأن معرفة أولاد البلد أن دعوته، لكى يتمهل  المصريون فى إطلاق النكت لن يستجاب لها، لسبب بسيط أن النكتة، كالتدين الوسطى، كمحبة الغناء والمرح  والفرفشة، زاد شبه يومى للمصريين، ما إن يلتقى أحدهم بآخر حتى يسأله توددا سمعت آخر نكتة؟ ولم أعد أذكر من هو المؤرخ الذى قال إن المصريين لا يطاقون من ألسنتهم حين يطلقونها فى حق الناس.

وكما نعلم جميعا فالنكتة، هى أحد الفنون مجهولة النسب والهوية، أى تلك التى لا نعرف مؤلفا محددا  لها، وهى أداة من أدوات التعبير، برع فيها الشعب المصرى  منذ قرون، وهى دائمة الحضور فى حياته اليومية، يبتكرها ويرددها  وينقلها عن غيره، ويبدع فى صياغة حبكتها الدرامية  المكثفة التى تجلب الضحك تماما كما تفعل فنون المونولوج والأراجوز بما يضيفان إلى النكتة التى تنطويان عليها، من قصة درامية وموسيقى وغناء. وفى العادة  يبدل  مؤلفو النكتة ورواتها ،ويعدلون فى كلماتها وعبارتها  ووقائعها وتواريخها، وفقا للحالة الاجتماعية أو السياسية السائدة التى تستدعى الغضب أو السخط أو النقمة والنقد  أو حتى الفرح والسرور، لتصبح بمثابة هتاف للصامتين، مثلما  شبه عالم الاجتماع الفذ  الدكتور سيد عويس  ظاهرة كتابات المصريين  على الأضرحة والمركبات العامة، وقدم فى هذا السياق دراسة اجتماعية غير مسبوقة ،تكشف فى جانب منها، ما يتمتع به المصريون من حيوية ترفض الاستسلام للمظالم، ووعى فطرى بطرق شتى للعبير عنها، وإيصالها لمن بيدهم الأمر، حتى لو كان ذلك بالهتاف دون صوت أو صراخ!  

وليس صحيحا  ما يروج له البعض، أن النكت لا تظهر وتزدهر سوى فى أجواء التضييق على الحريات. فحجم النكت  الهائل الذى انتشر فى عهد الرئيس السادات وسياسات الانفتاح  الاقتصادى والسياسى التى أعادت الحياة الحزبية إلى الوجود، تنقض تلك المقولة. وحجم النكت التى تنطلق للسخرية من الزواج والطلاق والبدانة والأزياء والغباء والذكاء ،  والتحايل والفهلوة، وحتى لسخرية الناس من أنفسهم تدحض قول من يروجون أنها وسيلة تعبير مقصورة فقط على المعارضة السياسية للأنظمة. فبجانب دلالاتها السياسية، هناك أبعاد ثقافية واجتماعية لانتشار النكت، وهى بهذا المعنى تعد إحدى الوسائل اللاشعورية  التى يتخذها الإنسان لمواجهة الضغوط التى يفرضها عليه العالم الخارجى، كما يذهب إلى ذلك أصحاب المدرسة التحليلية لعلم النفس، أى أنها وسيلة من وسائل  تحرر الإنسان من القلق الذى تجلبه تصاريف الحياة ،للتوصل إلى   نوع من التوازن النفسى فى مواجهتها، والتصدى لضغوطها.

يمكن للنكتة أن تنزع الضحكات من فرط المفارقات التى تنطوى عليها، لكنها كذلك يمكن أن تجرح وتؤلم وتسيل دما ،إذا ما تخلت عن روح المسئولية. وفى أعقاب النكسة عام 1967، اضطر الزعيم جمال عبد الناصر إلى أن يناشد المواطنين بالكف عن السخرية من ابنائهم واولادهم فى القوات المسلحة، لما يجلبه ذلك من أثر سيئ على معنويات أفرادها، وهم  يخوضون حرب الاستنزاف، التى قادت فيما بعد إلى نصر أكتوبر المجيد.

وعلى القيادة السياسية فى بلادى أن تخشى من أن يكف المصريون عن إطلاق النكت، وليس من إطلاقها. فمما يروى عن الجنرال «شارل ديجول» الذى قاد المقاومة لتحرير فرنسا من الغزو النازى، قوله بالحرف الواحد: لقد تدنت شعبيتى فى فرنسا، فأنا لا أرى نفسى فى الرسوم الكاريكاتورية، ولم أعد أسمع اسمى فى النكت التى تنتقدنى!

ويا عزيرى القارئ ما هى آخر نكتة؟!