رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عرفت البشرية ألوانا من الأوبئة المدمرة التي كانت تحصد ملايين الأرواح، وكان الناس ينظرون بحسرة لأوبئة مثل الطاعون أو الكوليرا علي أنها قدر مشئوم أو كارثة مثل أي كارثة طبيعية.. انتهي زمن الأوبئة من هذا النوع، وأعتقد ان ما نتعرض له من أوبئة معاصرة أخطر وأشد فتكاً مما كان في سالف الأزمان.

في زماننا الحديث أعتقد أننا جميعا نواجه وباء الخوف وانعدام القيم والقيمة والشعور بالغربة والاغتراب.. نواجه وباء اسمه انتحار الحقيقة عندما يصبح الهواء الذي نتنفسه ملغما بالكذب والتضليل.. الكل ضد الكل.. لا خصومات شريفة والمسرح العام يكاد يكون خالياً تماماً من الأبطال ومن يلعب فوق خشبته هم من يمثلون دور الكبار ويلبسون مثل الكبار ويحاولون التحدث بلسان الكبار.. نحن في زمن كوليرا المشاعر وموت المعرفة.. حالة كوليرا سياسية واقتصادية واجتماعية أصابت البلد بجفاف حضاري جعلتنا مثل سكاري ما هم بسكاري.

هناك حالة اشتباك عامة بين تسعين مليون محشورين في أتوبيس مصر تحت وطأة ظروف تحول بينهم وبين القدرة علي التفكير أو الشعور الإنساني النبيل.. ما يخيفني كأحد المعاصرين المحشورين داخل عربة مصر أن جيلاً جديداً ولد وكبر بلا مشاعر ولا ثقافة ولا أبسط معرفة بوطنه.. جيل ضربته كوليرا الغربة والاغتراب وفصلته عن الواقع ليعيش عالماً افتراضياً كاملاً.. جيل لم يجد من يرأف به ويساعده بالثقافة والفنون والآداب علي اكتشاف هويته والحماس لتاريخه واحترام لغته.. جيل ضربته كوليرا اللامبالاة والمخدرات وانعدام القدوة ليجد نفسه كأنه ينزل أرضاً جديدة لم يسكنها بشر سينشر فيها لغته وخلقه وفق رؤيته وقناعاته دون أي مرجعيات أو أصول أو حتى أديان ينقب بين آياتها عن مصابيح هداية.

قد يكون العلم هو قاطرة التقدم العظيمة في القرون الثلاثة الأخيرة- لكن المؤكد أن الأمم التي تقدمت جدا لم يكن لها أن تحقق ما حققت إلا ببحثها عن هويتها والإمساك بهذه الهوية وحقنها بحماس العصر وعلومه.. نحن في مصر أشبه بجسد يسير بدون رأس أو رأس يتحرك بدون عقل أو عقل يفكر بدون أصول.. حتى الأديان عندما ظهرت لم تظهر من فراغ ولم تنتشر في فراغ، وإنما استمدت قوتها من ثقافة وأصول زمانها ومن لغة الناس واهتماماتهم، ومن يتصور أن بالإمكان وبجرة قلم محو التاريخ القديم وكتابة تاريخ جديد مقطوع الصلة بأي زمن سابق فهو واهم، ومن يتصور أن العقل الإنساني من الممكن محوه وإلغاؤه لصالح عقل واحد وفكرة واحدة فهو واهم أيضاً.. طاعون العصر لم يعد مرضاً يضرب البدن وإنما الطاعون الأخطر هو الذي يضرب العقل ويشوه فكرة الحضارة والتحضر لصالح مادية قبيحة تحول الناس الي وحوش وتنزع من الروح الإنسانية دسم المشاعر الانسانية الراقية لصالح غرائز أصبحت أسهمها هي المتصدرة لبورصة العصر.. أتصور - وبعض التصور وهم - أننا في مصر لا يهددنا خطر الجوع  ولن يهددنا ولكن ما يشكل خطراً حقيقياً علي وجودنا وكياننا أن يضربنا نوع من أنواع الزهايمر التاريخي، والذي ينسينا من نحن وماذا كنا وكيف أصبحنا وإلي أي طريق نسير.

[email protected]