عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د.إسماعيل سلام يكتب من واشنطن:

انفض المولد الذي يستمر أكثر من سنة في الانتخابات الأمريكية وهو موسم غريب.. الإعلام في أوج نشاطه وتحليلاته، والدعاية تشتد والاتهامات تحتد في أحوال كثيرة.. فهو ليس فقط موسمًا للانتخابات ولكنه موسم الإعلانات التلفزيونية سواء في صالح المرشحين أو ضد بعضهم البعض.. وموسم الانتخابات يبدأ من المرشحين على مستوى الحزبين الكبيرين وقد يدخل في البداية شخصيات متعددة من كل الأحزاب أو المستقلين الا أنها في النهاية وبعد الانتخابات الأولية ينحصر الترشيح في مرشحين رئيسيين.. ثم في كل يوم تصحو الدنيا وتنام على هذين المرشحين وبرنامجهما ووعودهما واتهاماتهما ولماذا «أنا» الاختيار الأفضل.. ولكن الأكثر جذبا للجماهير دائما هو المفاجآت الإعلامية للمرشحين بصرف النظر عن صانعيها.. وتنتهي في ليلة طويلة كل هذه المواجهات والمناظرات والاتهامات.. والنهاية عند صندوق الاقتراع الذي لا سلطان عليه كما يقولون، ولكن الحقيقة أن الاعلام أصبح مؤثرا بدرجة كبرى بل وقد يغير الرأي أو الرأي الآخر من لحظة لأخرى.. وتمر الأيام للانتخابات الأخيرة لتثبت أن مؤشرات استطلاعات الرأي قد تصيب أو تخيب ولا شيء بعيد عن الواقع.. وكانت التوقعات في هذه المرة تشير الى أن هيلاري كلينتون هي الفائزة، ولكن تأتي الرياح بترامب رئيسا لأمريكا، وتنتهي الانتخابات بخطاب من الفائز دونالد ترامب يعلن فيه قبوله لتكليف الشعب.. وخطاب أيضا من هيلاري كلينتون تهنيء فيه ترامب على الفوز.. ويستقبل أوباما بالبيت الأبيض ترامب الرئيس المنتخب وكأن شيئا لم يكن ويتمنى له التوفيق ويدعو الشعب الأمريكي للتعاون معه واعطائه الفرصة.. فالكل يجمع على أن الانتخابات ليست قرارهم ولكن قرار الصناديق المغلقة ومن المحتم الامتثال لإرادة الناخبين.. وقد تستغرب إذا ما عرفت أن هيلاري كلينتون قد حصلت على الأغلبية في أصوات الناخبين في أمريكا ولكن المقياس الحقيقي في الفوز هو أصوات أعضاء «المجمع الانتخابي» الذي يتحدد عليه الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية.. هذا هو جوهر الانتخابات الأمريكية...

مايكل مور أول من تنبأ بفوز ترامب

مايكل مور المؤلف ومبدع الأفلام التسجيلية الهادفة و تكون غالبا دفاعا عن الضعفاء.. لم يتزعزع يوما عن مواقفه الشجاعة وتمسكه بقول الحق، وهو الذي قدم فيلم «فهرنهيت» الذي انتقد فيه بشدة جورج بوش بعد اعتدائه على العراق، ولديه  برنامج اسمه الحقيقة المرة يقف فيه شاهدا على العصر دون تجميل أو تحوير، وهو الذي هاجم العولمة والجور على حقوق الفقراء والمظلومين ودعا لحقوق العالم في الصحة.. تنبأ مايكل مور في مقال له سبق الانتخابات بعدة شهور جاء بعد انتهاء الانتخابات الأولية للجمهوريين حيث استطاع ترامب أن ينتزع الترشيح للرئاسة من ١٦ مرشحا جمهوريا، وقال باللفظ الواحد إن ترامب سيفوز في انتخابات الرئاسة وسيصبح رئيسا لأمريكا.. وكذبه الكثيرون وشعروا بأن هذا الرجل يخرف ولكن أثبتت الأيام أنه العاقل والمحلل والعالِم إذ قال نحن نعيش في فقاعة هوائية كبيرة ولا نعيش في الواقع.. هذا البالون الهوائي يجعلنا في عزلة عن الواقع، نعيش بما يحلو لنا من آمال لأننا لا نريد أن نستيقظ ونعيش في الواقع تماما، ويشبّه ذلك بما حدث في ١١ سبتمبر عندما أفادت الأنباء الأولية أن طائرة صغيرة اصطدمت بمبنى التجارة العالمي، وذلك لأننا نريد أن نهون ونجمل ما يحدث وأن نبعد بعيدا الاحتمالات التي نكرهها.. هكذا كان تهاوننا وتعاملنا مع الانتخابات واعتبرنا أنها تحصيل حاصل..

وتوقع مايكل مور لفوز ترامب انطوى على خمسة أسباب رآها تمهد لنجاحه وأول هذه الأسباب أن ترامب سيركز على أربع ولايات معروف عنها أنها ديمقراطية، وفعلا نجح ترامب الجمهوري في هذه الولايات الأربع، وثانيها اللعب بورقة الرجل الأمريكي الأبيض الذي حُرم من رئاسة أمريكا لثماني سنوات في ظل حكم أوباما، مع إيقاظ العنصرية كورقة انتخابية تلاقي حاليا رواجا، وثالثها اللعب بورقة التشكيك في هيلاري كلينتون خاصة أن ٧٠٪ من الأصوات تعتقد أن هيلاري ليست محلا للثقة، ورابعها انتزاع أصوات برني ساندرز المنافس الديمقراطي لهيلاري بحيث لا تؤول تلك الأصوات لهيلاري.. وكان قد قاد ساندرز حملة للتغيير ونجح نجاحا مبهرا في جذب الشباب الذي لم يجد ضالته في هيلاري وتعاطف مع ترامب الذي كان يحمل رسالته للتغيير، وخامسها نجاح ترامب في التشكيك في نزاهة الانتخابات وفي مصداقية وشفافية الحكومة وهو ما جذب الكثيرين من البيض ممن لا يعتقدون في النظام الأمريكي سياسيا ودفعهم للانتفاض والتوجه للتصويت..

وبالرغم من أن ما تنبأ به مايكل مور قد تحقق فإنه قد عاود وكتب عن تنبؤ جديد له يعتقد فيه أن ترامب لن يكمل مدته الرئاسية لأنه لا يحترم القانون ولا النظام ولذلك سيخرج من البيت الأبيض لعدم التزامه.. وكما أُهملت نبوءته الأولى فلم تلق الثانية أيضا اهتماما..

والسؤال بعد ذلك كله هل هناك ربيع أمريكي قادم بعد أن قامت مظاهرات السخط في أنحاء متفرقة من أمريكا عقب فوز ترامب، وبعد أن هددت المرأة بمظاهرة نسائية قوامها مليون امرأة تخرج في واشنطن للاحتجاج على انتخاب ترامب اليوم التالي لتنصيبه؟ إلا أن أوباما قد أعرب أمس الأول عن قلقه محذرا إزاء علو النزعة القومية الفظة وتصاعد النعرة القبلية مما يهدد بالانقسام.. وما زال هذا الأمر قيد الغيب.. ولا شيء سيغير كلمة صندوق الانتخابات..

ترامب ظاهرة غير مسبوقة

الدارسون للانتخابات الأمريكية يجدون ترامب ظاهرة غير مسبوقة.. فهو رجل رأسمالي.. رفض الإفصاح عن ضرائبه، الشيء الذي لم يحدث من قبل لمرشح للرئاسة.. رجل لم يعرف ولم يشتغل بالسياسة ولكنه يعرف كيف يلعب بمشاعر الجماهير.. وقامت حملته على معنى بغيض وهو التمييز العنصري.. ونجح ترامب في أن يكشف النقاب عن العنصرية الدفينة في الرجل الأبيض.. ولعب على تهديد داعش لأمريكا وجعل كل فرد يشعر بأنه مهدد، وبالفعل غيّر تفكير الأمريكيين في أن هناك مواجهة بين كل الشعب الأمريكي والإرهاب مستغلا حوادث الإرهاب في العالم وأمريكا لتوثيق رأيه.. ومضى في وضع رسائل واضحة للرجل الأبيض وهي كيف نعيد لأمريكا ما كانت عليه من عظمة، وتساءل البعض ما هو المقصود بما «كانت عليه» ؟ هل عودة الي عصور التفرقة العنصرية وعدم احترام حقوق الانسان؟! ولكن كلها أتت كشعارات نجحت في أن تدغدغ عقول ومشاعر الناخبين.. وشن ترامب حملة واسعة على الإسلام والمسلمين وأنه سيمنع دخول المسلمين لأمريكا وسيضع رقابة على المسلمين في داخل أمريكا.. وعلى الرغم من أنه كلام مخالف للدستور الأمريكي ومنه ما يرقى الى جرائم الحرب، الا أنه يجد استحسانا من الأمريكان البيض وظهر ذلك بوضوح من إحصاءات الناخبين له.. فوجدوا أنفسهم مع ترامب حيث استطاع أن يبث على الملأ حديثا كان قبل مكتوما في نفوسهم، فالإفصاح عن ذلك جريمة وانتهاك لوحدة الشعب الأمريكي، ولكن فجأة أصبح شيئا متقبلا في الدعاية الانتخابية.. وأراد ترامب أن ينال ثقة اليهود فقام بزيارته لإسرائيل وأعلن أنه لو نجح في الانتخابات سيجعل من الإسرائيلي بأمريكا مواطنا من الدرجة الأولى وسيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. وأعلن ترامب أنه لن يقبل المهاجرين الوافدين لأمريكا دون حصولهم مسبقا على فيزا، بل وسيقوم بترحيله لقوة كبيرة من العمالة التي يضيق بها الأمريكان باعتبارهم منافسين في سوق العمل.. ووعد مؤخرا بترحيل ما يقرب من ثلاثة ملايين من المهاجرين الذين لا يحملون تأشيرات أو لهم مخالفات قانونية، وقال بأن أمريكا لن تحمي أيا من الدول بالمجان والذين يريدون الحماية مثل أوربا أو الخليج عليهم أن يدفعوا..

وفي إطار هجومه هاجم المكسيك ووعد ببناء حائط بينها وبين أمريكا واصفا مواطنيها بأنهم وراء الجريمة والمخدرات والدعارة في المجتمع الأمريكي، ثم هاجم المرأة وقامت عليه الدنيا، ثم جاءت الحسناوات من الممثلات وملكات الجمال السابقات - وقد كان راعيا رئيسيا لمسابقات جمال العالم-جاءت لتوجيه الاتهام اليه.. وبالرغم من اتهامه بالتحرش من قِبَلْ عشر سيدات أو أكثر الا انه لم يكن لذلك تأثير عليه في الانتخابات حتى من قِبَلْ قطاع كبير للمرأة، فالكل عاقد للعزم! ولعل السبب الأساسي أنه صمم لدعايته على أنه المنقذ للشعب الأمريكي ونجاحه في التهويل وإقناع الشعب الأمريكي بأنه لو تم انتخاب كلينتون فسيسقطون في يد داعش، بل واتهم كلينتون بأن داعش من صنعها وصنع أوباما.. واستطاع ترامب أن يقسّم أمريكا والحزب الجمهوري نفسه ولأول مرة خرج بعض زعماء من الحزب يعلنون عدم تأييدهم له، وأخيرا استطاع ترامب أن يشكك في الانتخابات الأمريكية والتزوير فيها، ولكن بالطبع توقف هذا التشكيك بعد أن نجح فيها..

كيف فاز ترامب

ترامب عرض سلعة جديدة في سوق الانتخابات لم يرها المنتخب الأمريكي من قبل، وذلك لأنه رجل لم يعمل بالسياسة ولكنه أدرك أن الرجل الأبيض إذا خرج وتكتل في الانتخابات بالتصويت له فهو الركيزة الأساسية لنجاحه.. وعليه استطاع أن يستحوذ عليهم من خلال التخويف والتشكيك، ولذلك بلغت نسبة البيض ممن صوتوا بالانتخابات ٧٠٪ وهي نسبة عالية جدا في حين بلغت نسبة أصوات السود له ١٢٪ والمكسيك والأصول اللاتينية ١١٪.. كثير من هؤلاء لم يذهب لصناديق الاقتراع تحت حلم زائف من أنه لن يصنع تغييرًا، واستطاع ترامب أن يغير من طريقة عرضه ومن انفعالاته بعد أن ضم خبراء من السياسيين القدامى في معسكر الحملة الانتخابية، أما «المهندس» الذي استطاع أن يدير دفة الإعلام واختيار الشعارات والوعود على طريقة «الطرق على الحديد وهو ساخن» و«العيار الذي لا يصيب يدوش» – كان هو ستيف بانون الذي انضم الى حملة ترامب حين كان في أسوأ أحواله الانتخابية وتنبؤ الكثيرين له بالخسارة.. وظهرت براعة ستيف بانون في تغيير صورة ترامب، ورسم له رسائله الى الشعب الأمريكي، ثم ألزمه بالتحدث للجماهير من أوراق تحوي خطبًا تصاغ بعناية بعد أن كان يرتجل لها ويقع في أخطاء عنيفة تؤخذ عليه وينكرها فيما بعد..وكُتب محتوى الخطب له بحرفية بالغة وأضحى ترامب أكثر استعدادا بردود سياسية.. وتغيرت صورته الإعلامية وتراجع عن كثير من آرائه واستجاب للنصح بإظهار تغير في موقفه إزاء المرأة أو المسلمين، ولم يعد صلفا منفرا كما كان من قبل.. واستطاع ستيف بانون أن يصنع ويشكل له رسائل واضحة تجد لها صدى في نفوس الشعب وتتفق مع شكوى ومعاناة الأمريكان من الحكومة الفيدرالية ومن الضرائب وسياسات التشغيل واتفاقات التجارة والتأمين الصحي وتأمين الحدود وغيرها.. وهكذا نجح ستيف بانون أن يرتب له ظهورا إعلاميا مغايرا تماما عن الحقيقة الأولى لظهوره الأول..

ولم يتردد ترامب بعد فوزه في الإفصاح عن استعانته بأعضاء حملته الرئاسية التي دفعت به للفوز وأيضا بمعضديه وذلك في تقلد المناصب الهامة واللصيقة به.. ويحمل اختيار ترامب لمعاونيه في البيت الأبيض دلالات سياسية هامة، وعلى سبيل المثال فإن اختياره لكل من راينسبير باس الرئيس الحالي للحزب الجمهوري، وستيف بانون مهندس الحملة الانتخابية له يعني تبني ترامب لأجندة متشددة يراها البعض قد تحول البيت الأبيض الى ساحة صراعات بين من دفعوا حملته الرئاسية للفوز من الشعبيين ومعهم آخرون من خارج الدوائر السياسية للحكم من جهة، وقواعد الحزب الجمهوري القديمة والتي تتحكم في الدوائر السياسية على اتساعها في واشنطن من جهة أخرى..

وكما يقال فهناك صوتان فوق كتفي ترامب فور تسلمه الرئاسة.. الصوت الأول هولراينس بريباس رئيس الحزب الجمهوري الحالي وعمره ٤٤ عاما والذي يرشحه ترامب رئيسا للعاملين بالبيت الأبيض وهي مقابلة لوظيفة رئيس الديوان وهو الرجل الذي يسهر على مقاليد الأمور مع الرئاسة ابتداء من راحة الرئيس وأسرته وانتهاء بعلاقات الرئيس واقتراحاته، وكل من يعمل في البيت الأبيض مسئول أمامه، فهي وظيفة فريدة تجعل صاحبها صاحب قوة ونفوذ تفوق سلطات نائب رئيس الجمهورية، ولم يأت هذا الاختيار من فراغ فالرجل وقف معه بعد أن تخلى عنه الكثيرون وهو أيضا مفتاح الكونجرس لأنه صديق لزعيم الأغلبية الذي بدوره قام بترشيحه لترامب كي يشغل هذا المنصب وهي قوة لا يستهان بها.. ويهدف ترامب من ذلك الترشيح ضمانه التواصل مع الحزب الجمهوري في الكونجرس اما لتسهيل تمرير القوانين المقترحة أو لتخفيف حدة المشاحنات التي طرأت بين ترامب وكثير من الجمهوريين أثناء الحملة الانتخابية..

ويجيء ترشيح ستيف بانون رئيس حملة ترامب الانتخابية ككبير واضعي الاستراتيجيات للرئيس في البيت الأبيض ـ يجيء كالصوت الآخر على كتف ترامب.. ويرى بانون أن الحملة الانتخابية لترامب تُعد بمثابة النسخة الأمريكية للحركات الشعبية في العالم مثل ما قامت به بريطانيا بانفصالها عن الاتحاد الأوروبي.. وقد قوبل ترشيح بانون- الذي يبلغ من العمر ٦٢ عاما-  لهذا المنصب بانتقادات حادة من الدوائر السياسية يمينا ويسارا نظرا لما له من تاريخ معروف لمساندة التيار اليميني المتشدد من خلال رئاسته لموقع الكتروني اخباري اسمه « اخبار برايتبارت» يقوم بنشر التوجهات العنصرية والمعادية للسامية والمنحازة للبيض في أمريكا، على حين قد عضدت فيه بانون بشدة جهات ومنظمات تحمل نفس التوجهات العنصرية والنعرة القومية للبيض مثل ال «ألت رايت» وال «كيه كيه كيه»..

صحيح أن هناك محددات لسلطة كل شخص في الولايات المتحدة بما في ذلك رئيس الجمهورية، وأن ما يقوله ترامب من سأفعل وأنفذ هو أمر لا يزال تحت رحمة مجلس النواب والكونجرس الأمريكي والمؤسسات الأخرى التي هي أيضا صاحبة قرار في موضوعات تخصها.. طبعا بجانب ستيف بانون ورئيس الديوان هناك آلاف مؤلفة من الوظائف التي تتغير بتغير رئيس الجمهورية، ومن هنا سيكون هناك حظ وفير لرجال ترامب ومن وقف بجانبه وأيضا أسرته التي يبدو أنها ستدخل معه في خضم السياسة بصورة رسمية..

لماذا أخفقت استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة؟

في تحليل سياسي يبين جون زوغبيوهو كاتب وباحث معروف أن الإخفاق في استطلاعات الرأي جاءت مغايرة لأنها لم تأخذ في الاعتبار طموحات وتطلعات الرجل الأبيض الذي شكل ٧٠٪ من الحاضرين للانتخابات بل وأكثر من ذلك فإن أعداد السود والمهاجرين المصوتين لهيلاري جاء أقل بكثير ممن سبقوا وصوتوا لأوباما.. أضف الى ذلك أن المرأة لم تحقق التصويت المتوقع لهيلاري كلينتون في هذه الانتخابات.. ويمضي الكاتب للقول بأن كثيرا من البيض أنكروا على الملأ تأييدهم لترامب لشعورهم بالخجل من مواقفه وتوجهاته المخالفة لمبادئ وقيم الولايات المتحدة ودستورها، ولكن بالنسبة لهم أيضا فهو يعد سفينة إنقاذ لإرساء التغيير والحماية من التعرض للإرهاب ولذا قاموا بالتصويت لصالحه حال انفرادهم بصناديق الاقتراع.. أضف إلى ذلك إخفاق هيلاري كلينتون في تقديمها نموذجا جديدا في الوقت الذي تجد فيه الشعب الأمريكي مغرما بالتغيير، وزاد من الطين بلة تأييدها المحموم للرئيس أوباما الذي أدى الى توقع الناس بأنها نسخة مكررة من أوباما وهذا خطأ كبير.. ويعتقد بعض الباحثين أنه كان من الخطأ أيضا التأييد الشديد الذي جاء من أوباما وزوجته لها، فبالرغم من أن شعبية أوباما استمرت ٥٤٪ وهي تعد نسبة عالية لرئيس أمريكي، الا أن هيلاري كلينتون لم تحصل على كل أصوات مؤيدي أوباما إذ لم تستطع أن تقدم أوراق التغيير الذي يتطلع له الشعب الأمريكي..

وهيلاري لم تكن موفقة في ازالة التساؤلات حول موضوعات الأموال التي حصلت عليها مؤسسة كلينتون من الخارج وكذا عن تسريب البريد الالكتروني والحق يقال إن هناك لاعبا ماهرا داخليًا أو خارجيًا استطاع في التوقيت الحساس أن يزج بقصة البريد الالكتروني وبه كثير من الأسرار في العشرة أيام الأخيرة للانتخابات،  بل و جزء من الضربة القاضية والتي تسببت في هبوط شعبيتها عن المعدل- هو ما اعلنه رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية عن إعادة التحقيقات في البريد الالكتروني بل وذهب الى الكونجرس الذي يتحكم فيه الجمهوريون ليفيد ان هناك تساؤلات جديدة.. واستطاع ترامب استخدام هذه الحقائق والاحداث ضد كلينتون ببراعة ومبالغة محققا آماله وأهدافه في حملة التشكيك، والدليل على ذلك استطلاعات الرأي التي أظهرت نسبًا مختلفة في تقدير اختيار الرئيس الجديد.. ٢٩٪ قالوا نريد رئيسا مثل أوباما في حين ٤٦٪ قالوا نريد رئيسا أكثر تحفظا من أوباما وهذه غالبية بالنسبة للفئات الأخرى.. بالإضافة الى أن ٧٠٪ من المنتخبين غير راضين عن أداء الحكومة الفيدرالية على حين أن اصلاح ذلك كان أحد وعود ترامب الانتخابية.. وبالرغم من أن مكتب التحقيقات الفيدرالية أعلن قبل الانتخابات بيوم واحد أنه لا يوجد اتهام موجه لهيلاري ولكن جاء هذا بعد حدوث التدمير بالفعل.. وفي أول تعليق لكلينتون بعد الانتخابات أكدت أن السبب الرئيسي لعدم فوزها هو التشكيك الذي صدر من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية قبيل التصويت بل وجاء أيضا أثناء التصويت المبكر لكثير من الناخبين..

صحيح أن ترامب استخدم التمييز العنصري وتشديدات الهجرة ووصف الإدارة الحالية بالقصور والضعف وغيره لكن دعنا ننظر بعمق في رسائل ترامب الى الشعب.. الحقيقة أن زوغبي يتناول في تحليله أن ترامب لمس الغالبية من عقول الشعب عندما تحدث عن الطبقة الوسطى وكيف أنها فقدت الكثير، وكان أول رئيس من ٢٥ عاما يتحدث بوضوح عن تقلص دخل الطبقة المتوسطة والتي أثقلت بالضرائب والبطالة وعدم وجود مستقبل للأطفال والشباب، وحدد ترامب رؤيته في إعادة عظمة أمريكا والنظر في مشكلات دخل الطبقة الوسطى والضرائب وانتقال الوظائف الى خارج أمريكا، وزيادة الهجرة التي تنافس المواطن الأمريكي الأبيض وتحرمه من كثير من المزايا.. استطاع ترامب أن يركز حملته في الولايات ذات التأثير القوي على سير الانتخابات، بل في الوقت الذي هدأت فيه كلينتون نسبيا ربما لالتقاط الأنفاس كان ترامب حاضرا لثلاثة مؤتمرات متنقلا في ثلاث ولايات مختلفة يوميا، وهذا ما دفع أوراقه للصعود في الأيام الأخيرة للانتخابات..

وماذا بعد فوز ترامب

في الماضي كانوا يقولون مات الملك عاش الملك لأن الملك لا ينتخب، ولكن في أمريكا يذهب الرئيس ويأتي رئيس جديد، والى دائرة النسيان يذهب الرئيس الذي سبقه، وبالرغم من ذلك فأمريكا لا تستخدم كلمة «سابق» للقب الرئيس حتى وان انتهت فترة حكمه، فدائما يلقب بالرئيس.. ولكن في النهاية يأتي الرئيس المنتخب ومعه أحلامه وأحلام الغالبية العظمى من الشعب.. والأغلبية صاحبة القرار ومصدر القوة في كل الأوقات وإذا لم يعجبك تذهب لصندوق الانتخابات وإذا لم تذهب فالكلمة لمن يذهب، والرئيس الجديد ترامب ليس رجل سياسة، ومن هنا ستكون الكلمة لمن حوله من الساسة ومن سيختارهم الرئيس، والتوقعات أنه سيرضي من ساعدوه في الانتخابات.. ولكن هناك أعضاء المجلس النيابي والكونجرس وهم أصحاب القول وغالبيتهم من الجمهوريين مثل ترامب الذي سيكون أكثر حظا من أوباما والذي لم يتمكن من تنفيذ قراراته التي توقفت في معظمها على أعتاب الكونجرس الأمريكي ذي الغالبية للجمهوريين.

وفي ضوء صدمة العالم لفوز ترامب، تشير جريدة الواشنطن بوست الى بدء الدول الأوربية في إعادة الحسابات لترسيم علاقاتها مع الولايات المتحدة.. فتجد بريطانيا تتجه الى سياسة الاحتواء لترامب عسى أن يكون لها تأثير في قراراته المتخذة معتمدة على كونه «صانعا للصفقات» وكما وصفه مؤخرا وزير خارجية بريطانيا.. ويعرب رئيس المفوضية الأوربية عن قلقه من أن أوروبا سيضيع منها عامان في حالة انتظار لحين تعلم ترامب ما يدور حقيقةً في العالم.. بينما تتطلع  المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتعاون والعمل مع ترامب في اطار قواعد تُذكِر بها ضمن رسالتها  التي حملت تهنئتها لترامب فتتحدث عن العديد من التحديات المشتركة والمختلفة التي تواجه البلدين، وتعرب فيها أيضا عن أن ألمانيا وأمريكا تربطهما قيم مشتركة تبنى على الديمقراطية والحريات واحترام قواعد القانون بالإضافة الى الاحترام المتبادل لكرامة البلدين بل وكرامة كل شخص دون النظر الى الأصل أو اللون أو النوع أو الاتجاهات الشخصية أو الرأي السياسي، وهي نفس الأسس التي تأمل أن يتم التعاون في اطارها على المستوى الشخصي أو المستوى الحكومي، وأشارت الى أهمية الشراكة بين البلدين كعامل محوري للسياسة الخارجية لألمانيا والتي تدفع بتعاونهما للتعامل مع التحديات الكبرى لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الرخاء وخلق سياسات مناخية للمدى البعيد، مع الاضطلاع بمحاربة الإرهاب والفقر والجوع والمرض، وبذل الجهد لحماية السلام والحرية في العالم..وعلى خلاف دبلوماسية ميركل جاء نائبها سيجمار جابرييل صريحا دون مواربة إذ يصرح بأن ترامب يُعد رائدا لنظام ديكتاتوري جديد وأيضا للحركة المتعصبة ضد المرأة والتي تريد العودة للوراء وللأيام السيئة التي ترسم للمرأة حدودها في المطبخ، ولأصحاب الاتجاهات المغايرة في السجن..

ترامب والشرق الأوسط

وقد خصصت مؤخرا مجلة النيويوركر موضوعا كاملا عن رد فعل الشرق الأوسط تجاه فوز ترامب حيث نال فوزه استقبالا حارا، وتوقعت المجلة ازدهار العلاقات الأمريكية مع مصر.. وأشارت المجلة الى تلقي ترامب أول تهنئة بعد فوزه بالرئاسة من الرئيس عبد الفتاح السيسي.. وقد سبق وأن التقى الرئيس السيسي مع ترامب في سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. وقد أشاد ترامب بالرئيس السيسي وجديته في محاربة الإرهاب وأن هناك تقاربا في الرؤية وتفاهما على المستوى الشخصي.. وتتوقع المجلة أن يكون هناك تحسن كبير في العلاقات المصرية الأمريكية.. وعللت المجلة لذلك بأن ترامب يضع الاستقرار في المقام الأول لأي نظام حكم.. على حين أوضحت المجلة أن معظم دول الشرق الأوسط رحبت بانتخاب ترامب فيما عدا إيران والتي لها علاقات معقدة مع أمريكا بعد الاتفاقيات الأخيرة. الواضح أن مصر أكثر حظا من دول أخرى بل وتشير المجلة إلى أن مصر أصبح لها ثقل سياسي لدورها في المنطقة. وعلى ترامب أن يعمل على جمع الكلمة لأن الانقسام سواء في الداخل أو الخارج سيشكل تهديدا لأمريكا..  

وزير الصحة الأسبق

[email protected]