رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

لصديقى الدكتور حمدى حسن، أستاذ الإعلام والمثقف الكبير رأى يقول إن المصريين مرهقون تاريخياً، وأن حالة التوهان والتشوه التى تبدو عليها وبها الشخصية المصرية المعاصرة إنما تعود لفعل حالة الإرهاق تلك.

الكلام إن بدا بسيطاً فى معانيه، ولكنه عميق فى دلالاته.. نعم، المصريون مرهقون تاريخياً، وبين ضفتى حياتهم ومنذ أكثر من ألف عام على الأقل والقهر والتخلف والفقر عذابات هى الأكثر تعبيراً عن نفسها بمجرى نهر التاريخ المصرى.. النيل الذى نعيش على ضفتيه، ليس مجرد نهر يحمل لنا الخير من الجنوب.. النيل شاهد على حال ساكنى ضفتيه وكيف تعاقبت عليهم قرون - كثيرها قهر وفقر وقليلها عز وفكر - النيل شاهد على مئات الحكام الذين تعاقبوا على مصر، ولم تكن للكثير منهم من غاية إلا التنكيل بهذا الشعب ومص دماء أبنائه وسرقة قوته.

هذا التاريخ الطويل ليس منقطعاً عن العصر الذى نحياه ولا عن المصريين اليوم.. التاريخ يزداد غنى كلما انهارت دول وسقطت عروش.. تغيب شمس الأباطرة، فيزداد هو حياة وقوة وتنتقل كلمته إلينا نحن المعاصرين دون أن نبحث عنها.. المهم أن نقرأها فهماً وتأملاً.

المصريون مرهقون تاريخياً.. نعم.. نحن اليوم حصيلة آلاف السنين والتجارب وأنظمة الحكم والحوادث الجسام.. المصريون اليوم جملة معاصرة ما بين زمن الأهرامات وعصر التوك توك.. التشوه الذى نلحظه بنفوسنا وثقافتنا وأفكارنا الآن وفى هذه اللحظة ليس منفصلاً على الإطلاق عن قصة الأمس القريب والبعيد.. المصرى القديم هو صاحب فكرة الإله الواحد.. فى البدء كان الحاكم هو الإله «ديانة آمون» ومع تطور الفكرة تحول إلى نصف إله، ثم إلى ظل الإله على الأرض له البشر والحجر والماء والنار.. حتى اليوم وفى عصر الحرية والنور لا يزال للمصرى حنين أن يرى فى حاكمه صفات الآلهة وحقوقهم على البشر.

حتى اليوم يقف المصرى المتعلم والمستنير فى حضرة الحاكم، فيخاطب فيه ظل الله على الأرض ويسوق له بركات الدعاء الذى تردده أمه له، وقد يكون الحاكم مترفعاً عن تزلف هذا الأبله أو ذاك.. قصة الحضارة لويل ديورانت عبرت بعبقرية عن حال المصريين، وكيف أن هذا الشعب النادر فى التاريخ على امتداده من طول معاصرته لملوك معظمهم أهانه وأندرهم رفق به قد مل الحرية المفرطة تارة والنظام المسرف تارة أخرى ثم جاء زمن طغى على البلاد «عصر مظلم» سادته الفوضى أربعة قرون، ثم قام بعدها رجل قوى قبض بيد من حديد على زمام الأمور، وأعاد النظام إلى البلاد، ونقل العاصمة من منف إلى طيبة، وتسمى باسم «أمينمحيت الأول»، مؤسس الأسرة الثانية عشرة.. ترك هذا الحاكم نصيحة مرة لابنه، هى فى واقع أمرها قاعدة عجيبة للحكم المطلق ولكنها ثمن باهظ يبتاع به الملك عرشه.. يقول: «استمع إلى ما سأقوله لك، حتى تكون ملك الأرض، وتزيد فيها الخير..  أقسو على جميع من هم دونك، فإن الناس لا يعنون إلا بمن يرهبهم.. لا تقترب منهم بمفردك، ولا تملأ قلبك بالمودة لأخ، ولا تعرف صديقاً.. وإذا نمت فاحرس بنفسك قلبك لأن الإنسان لا صديق له فى أيام الشر».. نصيحة الملك لابنه خبرات انتقلت من الماضى للحاضر أو هى خبرة الماضى على قسوتها للحاضر على تشوهه.. المصريون مرهقون تاريخياً.. نعم لأن خبرات الألم والهوان تتحول إلى جينات وصفات وراثية ترسم خرائط التفكير والتدبير وأهواء النفس.. نحن بحاجة فى اللحظة الراهنة للتعرف على الذات التاريخية.. نعرف لكى نفهم لماذا نحن على الهيئة والحال التى نحن عليها.. مهما كان من شأن العلم والتكنولوجيا الحديثة فى التطور، فلن يكتب لنا أى حظ عظيم من الرفعة والسمو طالما ظلت نفوسنا تائهة بلا تاريخ نستوعب حكمته وبلا قانون يحترمه الحاكم قبل الناس وبلا عدالة تسير مرفوعة الرأس فى الشوارع الضيقة وبين البسطاء.

[email protected]