عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

قصب السكر.. زراعة قاسية وصعبة وجارحة، تمتد من الشتاء الي الصيف.. ومن الصيف الى الشتاء، وهو محصول صعيدي ولا اعتقد أنه يصلح إلا مع الصعيدي .. بقوة احتماله، وبصبره، وانتظاره الطويل من ساعة وضع «الُعقل» في الأرض حتى تظهر عيدانه.. وشيئا فشيئا تجف أوراقه الخشنة، التي تجرح كل من يقترب منها مثل السكاكين الحادة، وبالمقارنة بزراعات الدلتا، الخضراء الرقيقة طوال العام، التي تتراوح ما بين الخضراوات والفواكه، فإنها تعتبر نزهة بين الحدائق لفلاح بحري في مقابل التعذيب المؤلم والدموي الذي يعانيه فلاح قبلي وهو يزرع كل عام غابة من الآلام اسمها قصب السكر!!

وعلاقتي بصناعة السكر، أسرية، فقد كان والدي رحمه الله، موظفا بشركة السكر في نجع حمادي، مثل معظم رجال العائلة، والحال كذلك لكل أبناء نجع حمادي وقنا، فقد كان المصنع الوحيد والصناعة الوحيدة في المحافظة . وفيه قضى والدى عمره كله تقريبا، حيث كان يعمل به قبل 23 يوليو 1952، وكذلك بعدها، وكان دائما يحدثنا عن الفرق بين إدارة الإنجليز للشركة قبل يوليو، وإدارة المصريين للشركة بعدها.. وهو فارق قاس وصعب وجارح مثل زراعة قصب السكر!!

ومنذ أيام بدأ موسم حصاد محصول قصب السكر لهذا العام في الحقول المنتشرة، بمحافظة قنا، التي توجد فيها أكبر مساحة لزراعة القصب بمحافظات الصعيد.. وهو من المواسم المهمة في حياة الصعيدي لارتباط «كسر القصب» بالحصول على عرق جبينه، والعذاب الذى يشربه وهو «يقلع» القصب من جزوره، في عز البرد مرة، وعز الحر مرة.. على امل ان تنتهى معاناة عام كامل من مرارة الاستدانة لزراعة السكر.. ولكن، للأسف، تبدأ معاناة الصعايدة مع أسعار الشركة التي تشترى المحصول بأقل من ثمن الدماء التي تسيل من اياديهم بسبب أوراقه الجافة « القالوح»!!

ورغم ان القصب بالنسبة للصعيدي مسألة حياة أو موت، وموضوع له ارتباط وثيق بوجوده.. فطالما هو يزرع القصب فهو موجود، ليس فقط من أجل إيراداته التي يجب أن تتكفل بكامل نفقات اسرته ولكن أيضا من حيث الصراع والتحدى الذى يمارسه في هذه الزراعة الوعرة .. ولكن يبدو ان وزارة التموين لا يهمها السكر ولا حتى حياة الصعيدى.. بنفس أهمية مافيا السكر عندها. هذه المافيا التي نجحت في استصدار قرار من الوزارة، منذ شهور، بالسماح بإغراق الأسواق بالسكر المستورد، حيث قامت عدد من الشركات باستيراد 750 ألف طن سكر خام.. بينما حجم إنتاج شركات السكر يبلغ مليونا و١٠٠ ألف طن سنويا، والاستهلاك المصرى يقدر بمليون و٨٠٠ ألف طن، ومن المفترض أن السوق المحلي لا يحتاج أكثر من ٧٥٠ طنا فقط، وليس 750 الف طن.. إلا انهم أفهموا وزير التموين ان استيراد السكر الخام يحقق عائدات كبيرة للمصانع التي تقوم بتكريره، والنتيجة ان المصانع اصبح نشاطها الأفضل هو تكرير السكر المستورد، الذى تبيعه لوزارة التموين، وكما قال أحمد الوكيل، رئيس الغرفة التجارية في تصريحات صحفية: «إن الوزارة تصرف السكر المستورد على بطاقات التموين بسعر أقل من السكر المحلى، مما تسبب في خسارة قدرها 10 مليارات جنيه»!!

والمأساة.. أن مديونية مزارعي قصب السكر بـلغت مليارا و200 مليون لبنك التنمية، في حين ان هامش ربح الفلاح 2000 جنيه فقط طوال العام.. وهناك 311 ألف فدان من التي تزرع بقصب السكر مهددة بالبوار.. والسبب الاستيراد ومصالح كبار المستوردين، رغم أن إدارات المصانع فشلت في  تسويق كميات كبيرة من السكر المخزن بالمخازن، فهناك أكثر من 300 ألف طن سكر مخزنة بمخازن شركات السكر من الموسم الماضي، بمصانع جنوب الصعيد منها 40 ألف طن بمصنع نجع حمادي، لم يتم التصرف فيها علي الرغم من بدء الإنتاج للموسم الجديد!!

ورغم ان صناعة السكر من أهم الصناعات الاستراتيجية في العالم وليس في مصر فقط، الا ان الحكومة لا يهم هذا الكلام «التخين» طالما ان مافيا الاستيراد مملؤة بطونهم، وبطون من يسهل لهم استيراد كل المواد الغذائية.. والحقيقة ان مافيا استيراد السلع الغذائية هي السبب الرئيسي لإفقار هذا البلد ولفقر المواطن المصري.. وكل مسئول يحاول يقف في مواجهة هذه المافيا فان محاولاته تبوء بالفشل .. فقد سبق وحاولت الحكومة وقف استيراد القطن ..وتراجعت،  وحاولت زيادة رسوم استيراد الحديد للحد من المستورد.. وتراجعت، وحاولت مرارا الاكتفاء الذاتي من القمح.. وتراجعت، نفس الشيء مع السكر والزيت واللحوم.. وحتى الشوكولاتة لم تستطيع مواجهة مافيا الفساد والاستيراد.. ولذلك ستستمر الحكومة تتراجع والمستوردين يتقدمون.. والصعيدي يحول سكره إلي عسل أسود!!

montasirgaber[email protected]