رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شرفنى المركز الإقليمى للدرسات الاستراتيجية بالقاهرة، الذى أسسه ويديره الكاتب والمفكر السياسى الدكتور «عبدالمنعم سعيد» بالدعوة للمشاركة فى حلقة نقاشية، خططها وأعد لها الدكتور «محمد عزالعرب» حول الخبرات الدولية فى التعامل مع الكوارث، وهو الموضوع الذى يأتى فى وقته تمامًا، كى نتأمل جميعا الطريقة التى أدارت بها الحكومة قضية السيول التى غمرت قرى وحوارى وشوارع الإسكندرية والبحيرة، وأسفرت عن ضحايا وخسائر مادية ومالية وهدمت بيوتا وشردت أسرا، ولكى نستخلص من هذه الطريقة الدروس التى تعين على عدم تكرار الأخطاء وامتلاك القدرة على التنبؤ بما هو آت من كوارث والتحسب لها والتصدى للمفاجآت التى قد  تأتى بها.

كان من اللافت للنظر أن الحلقة النقاشية قدمت نخبة رائعة من الباحثين الشباب الأكفاء والمؤهلين تأهيلا  علميا عاليا- د.أحمد قنديل والأساتذة أمل مختار وعمرو عبدالعاطى ومنى مصطفى فضلا عن الخبير المخضرم فى علوم الأراضى والمياه والأستاذ الجامعى الدكتور نادر نور الدين -  يشيعون الأمل بمهاراتهم وقدراتهم على البحث والتقصى،  بمستقبل واعد للبحث العلمى فى مصر برغم معاول الهدم التى تحاصره، تعللا بقلة الامكانيات، واختباء خلف ارتباك الأولويات التى وضعت قضية البحث العلمى والدراسات المستقبلية فى مجالى العلوم البحتة والدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية والمائية  فى ذيل قائمة الأولويات برغم أن مستقبل الأمم بات مرهونًا بالتطور الدائم فى كل تلك المجالات!

أجمع المشاركون فى الحلقة النقاشية على أن الفرق بين دولة وأخرى فى مواجهة الكوارث الطبيعية التى يكون من الصعب التكهن بطبيعة اضرارها، مثل السيول والبراكين والزلازل والأعاصير والحرائق الطبيعية والفيضانات، تتوقف على مدى الاعتماد على فرق التخصص التى تتسم بالخبرة والكفاءة والعلم بالاساليب الناجعة فى المواجهة، أو ترك الأمور للمصادفات والمفاجآت والارتجال غير المدروس فضلا عن الاهمال فى التصدى للكارثة. وتكشف تجارب دول العالم المتقدم والنامى عن أن ثمة خصائص مشتركة تميز إدارة تلك الدول للكوارث التى تلحق بها، من بينها إعداد خرائط لمناطق الكوارث الطبيعية، ودراسة المدى الزمنى المحتمل  لتكرارها، ونشر مراكز للإنذار المبكر لتحذير مواطنيها، كما فعلت اليابان بنشر شبكات الإنذار المبكر فى المنشآت العامة والقطارات، تحذر من الزلازل قبل وقوعها، وكما فعلت الصين والهند وبنجلاديش بإنشاء مراكز معلومات لقياس معدلات تدفقات المياه والتنبوء بأوقات  حدوث الفيضان وقوته لتنبيه المواطنين لتوقى الخسائر أو خفضها. ومن بين تلك الخصائص أيضًا إنشاء بنية تحتية تتحسب لتلك الكوارث وتنطوى على شبكات للصرف الصحى وطرق وكبارى وأبنية ومخرات للسيول ومحطات للكهرباء ومسارات لتخزين المياه بمواصفات مقاومة للزلال والسيول والأعاصير، وبقوانين صارمة تحول دون البناء فى المناطق المعرضة لهذا اللون من الكوارث. هذا بالاضافة إلى تشكيل هيئات وطنية محلية لإدارة الكوارث تمتلك من السلطات ما يمكنها من التنسيق بين كافة مؤسسات الدولة المعنية للتصدى السريع والكفء للخسائر الناجمة عن الكوارث، من انقاذ الضحايا، وتأمين المنشآت، والقيام بالتخطيط  للتنبؤ بالمخاطر المستقبلية للكارثة والحد من مخاطرها، والتعافى السريع من اضرارها المادية، وتقديم الدعم النفسى للمتضررين منها.

كشف الدكتور «نادر نور الدين» عن حقيقة مفرحة حين قال إن نحو 93% من الغذاء فى العالم يعتمد على زراعات مطرية، وأن دولة مثل تونس، ليس لديها أنهار، تعتمد فى زراعتها على 8 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار، وأن مصر التى تغيب عن سياستها الزراعية الرؤية الاستراتيجية، وتعد أكبر دولة مستوردة للقمح فى العالم، يصل حجم الأمطار السنوية عليها إلى 51 مليار متر مكعب من المياه، وهو رقم يقترب من 55 مليار متر مكعب تحصل عليها من مياه النيل. ومعنى هذا الكلام أنه من الممكن تحويل الجانب السلبى للكارثة إلى جوانب ايجابية محققة، بإعداد شبكة لتخزين مياه السيول العذبة واستخدامها، بدلا من رميها فى شبكات المجارى والصرف الصحى أو فى البحار.

يبقى أن الدول التى نجحت فى التغلب على نتائج الكوارث الطبيعية تتحلى بنظم ديمقراطية راسخة، وبدولة قانون ومؤسسات تتسم بالاستقلالية والنزاهة والكفاءة، وبالقدرة على المراقبة والمساءلة التى تتعقب الفساد وتحاصر أنشطته، وبالشفافية التى تلعب دورًا مهمًا فى كسب ثقة المواطنين، وجذبهم كى يكونوا طرفًا أصيلًا فى المواجهة، وبامتلاك رؤية تراكمية تبنى فيها الحكومات المتعاقبة على من سبقها، بصرف النظر عن أشخاص من يتولونها.

وفى مصر، علينا بالاعتراف أن جزءا من هذه الروح وهذا المناخ لايزال غائبا، وأننا خسرنا على امتداد عقود ثقافة التطوع، تلك التى لعبت بعض منظمات المجتمع المدنى التى لا تغنى أنشطتها ولا تسمن من جوع، بالعصف بهذه الثقافة التى طالما لعبت دورًا اجتماعيًا مهمًا على امتداد التاريخ المصرى فى بناء جامعات ونواد ومدارس ومستشفيات، وفى خدمة المجتمع المحلى أثناء انتشار الأوبئة وفى فترات فيضان النيل، كما كانت عاملا مهما فى تشكيل الحياة الحزبية. وليس هناك أدنى شك أن إحياء ثقافة التطوع هو عامل مهم من عناصر مواجهة المجتمع للكوارث الطبيعية.

تحتم الخبرة المصرية فى مواجهة كوارث الزلازل والسيول، إعادة النظر بشكل جدى فى وضع المحليات التى اقترب موعد اجراء انتخاباتها، ومع ذلك لا تحظى بالاهتمام الكافى، برغم الدور الذى تلعبه فى كل بلاد الدنيا، فى تدريب وتخريج القيادات السياسية، وإدارة المجتمع المحلى وتنميته وفقًا لموارده وتركيبته السكانية. وتحويل الإدارة المحلية الراهنة إلى حكم محلى لا مركزى يحظى بالاستقلال عن المركز،بات ضرورة من ضرورات خطط مواجهة تلك الكوارث حتى لا  تتكرر أساليب  وأخطاء مواجهتها منذ زلزال التسعينيات وحتى سيول البحيرة والإسكندرية!

 

[email protected]