رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أديت فريضة الحج عام 1994، وكان عمري وقتها 32 عاما، ومنذ ذلك الوقت لم أفكر ولا أفكر في أداء الفريضة ثانية حتى ولو بدعوة كريمة من سفير خادم الحرمين الشريفين في مصر. أنطلق في ذلك من مبدأ أنه أما وقد أنعم الله عليّ بأداء فريضة لا يستطيع قطاع كبير من المسلمين تأديتها لأسباب مختلفة، فإنه من الأفضل أن أترك المكان الذي أشغله في كافة مراحل الحج لغيري ممن هم أولى، وقد لا يتيسر لهم السبيل لقضائها في حال مزاحمتي وأمثالي ممن أدوا الفريضة مرة واثنتين لهم. على هذه الخلفية، وانطلاقا من فلسفة ابدأ بنفسك دعوت في الأسبوع الماضي إلى مبدأ تقييد أعداد الحجيج من أجل ضمان موسم حج آمن لضيوف الرحمن حتى يكونوا في سياق من قال الله تعالى «وآمنهم من خوف» .. خوف الهلاك وسط الزحام!

كنت قد أشرت إلى أن التعامل مع حادث التدافع وعدم تكراره يتطلب نظرة جديدة لفلسفة ومفهوم الحج، على رأسها ضبط عدد الحجاج. وفي هذه السطور أفصل ما أجملت فأشير إلى أن أول إجراءات ضبط أعداد الحجيج هو البحث من قبل السلطات السعودية في الحجم أو العدد الأمثل للحجاج الذي يمكن للمشاعر المقدسة على وضعها الحالي أن تستوعبه.. فالأمور في مثل هذه الحالات يمكن ضبطها بعيدا عن العشوائية وعلى أسس دراسات علمية. وإذا افترضنا أن هذا العدد يقدر بنحو المليوني حاج، فإنه يجب أن يكون سقف الحجاج الذين تستقبلهم المملكة سنويا بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. وعلى ذلك فإذا كانت المملكة تعتمد معيار حاج لكل ألف نسمة من سكان أي دولة إسلامية، فإنه يمكن تقديم رقم جديد وليكن حاجاً لكل ألفي نسمة أو ثلاثة آلاف حسب ما تتوصل إليه الإحصائيات. 

ومن أجل ضمان تطبيق أفضل لهذا التوجه يمكن اعتماد معايير أخرى على رأسها ما أشرت إليه وهو الحج مرة واحدة لكل مسلم، فذلك يعتبر من أكبر مصادر ضبط أعداد الحجاج، مع فتح باب الاستثناءات في حدود ضيقة وفق ما تراه وتقدير السلطات السعودية، أو السلطات السيادية في الدول الإسلامية. كما يمكن اعتماد معيار السن بأن يتم منح الأولوية لكبار السن بشكل رئيسي في قبول أوراقهم ومنحهم التأشيرات، ولتكن الأولوية بشكل عام لمن تجاوز الخمسين عاما فما فوق.

هذه بعض الاقتراحات الأولية التي يمكن البناء عليها مع اقتراحات أخرى تتعلق بتفاصيل إدارة عملية قضاء الحجاج لمناسكهم ومن خلالها يمكن تجنب أو الحد من عمليات التدافع التي تنذر بأن تتحول إلى إحدى سمات موسم الحج، لدرجة قد تصبح معها عملية أداء مناسك الحج كالذهاب إلى جبهة القتال ضد العدو تحيط الشكوك بإمكانية عودة المشارك فيها سالما إلى داره، ما قد يحول الصورة الذهنية للحج كنسك ليس في ذهن غير المسلمين فقط وإنما في أذهان المسلمين أيضا، الأمر الذي يجب تجنبه بكل السبل.

ولا يجب الدفع في هذا المجال بأن الأمر لا يتعدي حادثاً أو اثنين على مدى عشر سنوات، ذلك أن المتوالية التي يزيد بها عدد الحجاج تشير، كما ذكرنا في المقال السابق، إلى تزايد أعدادهم بشكل كبير قد يصل في حدود سنوات إلى أكثر من خمسة ملايين حاج، وهو العدد الذي يستحيل السيطرة عليه في حيز مكاني ضيق، مهما كانت عمليات التوسعة، وتوفير سبل الأمان له، وهو عدد يمكن استيعاب الوصول إليه إذا ما علمنا أن عدد الحجاج عام 1927 مثلا بلغ 100 ألف شخص.

إلى جانب ما سبق كنا قد أشرنا إلى إعادة النظر في مفهوم الحج على ضوء الآية الكريمة التي تقرر أن «الحج أشهر معلومات».. ولنا أن نتصور الحالة التي سيصل إليها وضع الحج لو تم اعتماد هذه الرؤية والتي تتمثل في أن هذه الأشهر هي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة أو ذي الحجة بأكمله. بالتعبير الدارج قد يكون ذلك ثورة في التعامل مع الحج كشعيرة ومناسك.

رغم ما قد تبدو عليه منطقية هذه الطروحات من وجهة نظرنا إلا أنه تقف أمامها العديد من العقبات التي تحول دون تنفيذها وعلى رأسها الرفض العام لفكرة تقييد أعداد الحجاج عما هو عليه، في ظل مطالبات بزيادتهم وليس تقليصهم من قبل القطاع الأكبر من المسلمين، وهو المطلب الذي يمثل ضغطا لا تجد السلطات السعودية مفرا من التجاوب معه والتعامل على أساسه.

العقبة الثانية تتعلق بالشق الثاني من النقطة السابقة وتتمثل في خطط توسيع الحرمين الشريفين لتستوعب ما يفوق العدد الذي أشرنا إليه وهو خمسة ملايين حاج، وهو الأمر الذي فضلا عن كونه يأتي على خلفية دينية تتعلق بتيسير نسك شعيرة مهمة، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي له، حيث تمثل مواسم الحج، فضلا عن العمرة، مجالا للعوائد الاقتصادية الضخمة للمملكة قد تفوق في مرحلة من المراحل عوائد النفط، والذي إن كان موردا معرضاً للنضوب، فإن الأولى دائمة إلى قيام الساعة. ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى ما ذهبت إليه صحيفة اليوم السعودية، حسبما نقلت مصادر عنها، من أن عوائد موسم الحج والعمرة للعام 2012 بلغت أكثر من 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار) مع زيارة أكثر من 12 مليون حاج ومعتمر للمملكة.

أما بالنسبة للجانب المتعلق بالنظر لمفهوم الحج وتوسيع نطاقه الزمني، فإن الأمر وإن كان يتوقف على رؤى العلماء، فإنه من الواضح أن الحج سيبقى من الشعائر التي لن يقترب منها الاجتهاد، حتى لو تطلبت الأوضاع ذلك، الأمر الذي يشير إلى أن الأمور ستظل على حالها، وهو ما يعني أننا سندور في المربع صفر ولو إلى حين!

[email protected]